والمعنى ان الله سبحانه يسهل لك يا محمد سبيل الوحي بآياته وأحكامه حتى تحفظها وتبلغها وتعمل بها كما أراد الله.
(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى). ليس من شك ان التذكير واجب حتى مع العلم بأنه لا يجدي نفعا لالقاء الحجة وقطع المعذرة والا امتنع الحساب والعقاب ، قال تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ١٦٥ النساء. وعليه تكون «ان» هنا بعيدة كل البعد عن معنى الشرط والقيد ، وان المراد بها بيان الواقع أي ان الذكرى ينتفع بها من يبتغي الهداية ، أما من يصر على الضلال فلا ينتفع بشيء ، ويدل على ارادة هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى). فالذكرى تنفع لا محالة من يوقظه الخوف من الله ، ولا يعرض عنها إلا شقي أعمت الشهوات بصيرته ، وغلبت عليه شقوته (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) بشدائدها وأهوالها (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى). ونفسره بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) ـ ٣٦ فاطر ج ٦ ص ٢٩٣.
وقال الشيخ محمد عبده وهو يفسر (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) : إياك ان تنخدع بما يقوله أولئك الذين يلبسون لباس العلماء ، ويزعمون مزاعم السفهاء من انه لا يجب عليهم التذكير لأنه لا ينفع ، ويحتجون بقوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) فإن ذلك منهم ضلال وتضليل ، ولو صدق قولهم لما وجب التذكير في وقت من الأوقات لأنه لا يخلو زمان من معاندين ، ولا يسلم قائل من جاحدين ، وقد يعرف بعضهم انه ينطق عن الهوى ولكنه يدافع عن جبنه ، ويحتج لكسله ، ويحب ان يزين نفسه في أعين الناس ، وان أوقعها في سخط الله».
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى). المراد بالفلاح هنا النجاة من غضب الله وعذابه ، وبالتزكية التطهير من الذنوب والآثام (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى). المراد بالذكر هنا ما يقرّب من الخير ، ويبعد عن الشر ، أما حركة اللسان من حيث هي فليست غاية في نفسها .. ولا شيء من أمر الله ونهيه إلا وهو وسيلة لفعل الخير والبعد عن الشر ، وكفى دليلا على هذه الحقيقة قول الرسول الأعظم (ص) : انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ١٠٨ الأنبياء أما الصلاة فالمراد بها الصلوات الخمس لأنها عمود الدين.