(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا). هنا يكمن السر الأول والأخير لإعراض من أعرض عن الحق عامدا متعمدا .. ملكته الدنيا ملك السيد لعبده ، وأقبل عليها إقبال الطفل على ثدي أمه ، فذهبت به عن الله والحق والانسانية (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) بل لا خير في الدنيا إطلاقا إلا ما كان وسيلة لخير الآخرة ، لأن عمار الدنيا الى خراب ، وسلطانها الى زوال ، ومالها الى نفاد. وفي نهج البلاغة : كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه. واعلموا ان ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا.
(إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى). هذا اشارة الى قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) والمعنى ان دعوة الرسل من ناحية العقيدة واحدة لأن الذي أرسلهم واحد ، وقوله واحد لا تهافت فيه ولا تناقض ، وإذا كان هناك اختلاف فهو في بعض الفروع التي يستدعيها تطور الزمن وتغير المجتمع ، وما دام الأمر كذلك فعلى من يؤمن بإبراهيم كالعرب وبموسى كاليهود أن يؤمنوا أيضا بمحمد (ص) وإلا كانوا من الذين يؤمنون بالمبدأ الواحد ويكفرون به في آن واحد.