وهذا هو الفريق الثاني : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) ذات بهجة وحسن (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) رضيت أجرها في الآخرة على عملها في الدنيا (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) رفيعة وعظيمة في جميع صفاتها ومزاياها ، ومثله (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) ـ ٢١ الحاقة. (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) كلاما لا جدوى منه ، ومثله (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) ـ ٢٥ الواقعة. (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) جنات تجري من تحتها الأنهار (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) عن الأرض (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) على جانب العين ، فإذا أرادوا الشراب تناولوا بها الماء (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) النمارق جمع نمرقة ، وهي الوسادة ـ المسند أو المخدة ـ (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) الزرابي البسط ، ومبثوثة متفرقة هنا وهناك ، وكل ما جاء هنا في وصف الجنة هو بعض ما تقدم في عشرات الآيات ، وكل ما قيل أو يقال في وصفها فهو تفسير وبيان لقوله تعالى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) ـ ٧١ الزخرف.
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ). وتسأل : لما ذا خص سبحانه الإبل بالذكر دون الحيوانات؟.
وأجاب الشيخ محمد عبده بأنها أفضل دواب العرب وأعمها نفعا ، ولأنها خلق عجيب ، فإنها على شدتها تنقاد للضعيف ، ثم في تركيبها ما أعد لحمل الأثقال ، وهي تبرك لتحمل ، ثم تنهض بما تحمل مع الصبر على السير والعطش والجوع ، وفيها غير ذلك ما لا يماثلها حيوان آخر.
(وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) فوق الأرض بكواكبها اللامعة النافعة (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أوتادا للأرض : فسكنت على حركتها ، ولو لا الجبال لمادت بأهلها ، وزالت عن مواضعها (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) فجعلها الله لخلقه مهادا يقيمون عليها ويمشون في مناكبها. وتجدر الاشارة الى ان المراد بالتسطيح هنا تسطيح الأرض في رؤية العين لا في الواقع ، وقد أشار سبحانه الى كروية الأرض في الآية ٥ من سورة الزمر. أنظر ج ٦ ص ٣٩٥. وقال الشيخ محمد عبده : انما حسن ذكر الجمال مع السماء والجبال والأرض لأن هذه المخلوقات هي ما تقع تحت نظر العرب في أوديتهم وبواديهم.
(فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ). هذا أبلغ وأوضح تحديد لمهمة الرسول : التذكير ،