والبصر والشعور بالألم في الإنسان والحيوان ، وكعلم الإنسان بالكليات. والمراد بالنفس هنا نفس الإنسان فقط لقوله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) فإن الفجور والتقوى من صفات الإنسان لا الحيوان ، وعليه يكون معنى تسوية نفس الإنسان ان الله سبحانه خلق فيها الاستعداد التام لعمل الخير والشر معا بحيث تكون قدرته على أحدهما مساوية لقدرته على الآخر ، ثم نهاه عن الشر ، وأمره بالخير ، والذي يدلنا على ارادة هذا المعنى قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ـ ٣ الإنسان. وانما خلق سبحانه في نفس الإنسان الاستعداد للفجور والتقوى معا لأن الإنسان انما يكون إنسانا بحريته وارادته ، وبقدرته على الحسن والقبيح ، ولو قدر على أحدهما دون الآخر لكان كريشة في مهب الريح لا يستحق مدحا ولا ذما ، ولا ثوابا ولا عقابا على ما يفعل ويترك.
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها). هذا جواب القسم ، والفلاح الفوز ، والزكاة الطهارة ، والخيبة الخسران ، والتدسية النقص .. بعد أن أقسم سبحانه بالضياء والظلمة والكواكب وبنائها ، والأرض وتمهيدها ، والنفس واستعدادها بعد هذا قال : من اختار الخير على الشر وطهر نفسه من دنس الآثام فهو الفائز الرابح ، ومن اختار الشر على الخير ولوث نفسه بالذنوب والقبائح فهو الخائب الخاسر.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها). مفعول كذبت محذوف أي كذبت ثمود نبيها صالحا ، وثمود اسم قبيلة ، ولا ينصرف للتأنيث والتعريف ، وطغوى مصدر بمعنى الطغيان (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها). انبعث أي أسرع الى عقر الناقة ، وهذا الأشقى يضرب المثل بشقائه منذ آلاف السنين (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها). رسول الله هو صالح ، وناقة الله ناقته التي جعلت معجزة له ، وسقياها إشارة الى ما جاء في الآية ١٥٥ وما بعدها من سورة الشعراء : (قالَ ـ صالح لقومه ـ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) ج ٥ ص ٥١١.
(فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها). قال سبحانه عقروها مع ان العاقر واحد لأنهم رضوا عن فعله ، بل حرضوه عليه كما في الآية ٢٩ من سورة القمر (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ). ودمدم عليهم أي أطبق عليهم