(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى). هذا جواب القسم ، والمعنى ان أعمال الإنسان منها الخيرات ومنها الهفوات ..
وتسأل : ان هذه قضية بديهية لا تحتاج الى يمين ، فلما ذا أكدها سبحانه بالقسم؟
الجواب : أجل ، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) قضية بديهية من حيث هي وبصرف النظر عن عواقبها ونتائجها ، أما مع النظر الى ما يترتب عليها كتيسير المحسن لليسرى والمسيء للعسرى وما الى ذلك ـ فإنها تحتاج الى التأكيد أو لا مانع من تأكيدها ـ على الأقل ـ والمقسم عليه هنا هو مجموع قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) وما بعده ، وهو :
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) بذل في سبيل الخير لوجه الخير (وَاتَّقى) ابتعد عن الحرام والآثام (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى). آمن بالجنة والنار والحلال والحرام ، وعمل بموجب إيمانه وإلا فإيمانه سراب لأن الايمان وسيلة الى العمل وليس غاية في نفسه (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) اختلف المفسرون في معنى اليسرى ، فمن قائل : انها الجنة ، وقائل : هي الخير ، وقال الشيخ محمد عبده : «هي خطة تكميل النفس وانمائها بالكمال». أما نحن فنفسر اليسرى هنا بقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) ـ ٤ الطلاق أي يشمله الله بعنايته ، ويوفقه الى ما فيه خيره وصلاحه.
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بالبذل في سبيل الله (وَاسْتَغْنى) بماله عن الاعانة بالله ، وعن آخرته بدنياه (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) فقال : لا جنة ولا نار ولا حلال ولا حرام (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى). المراد بالعسرى هنا السقوط في هوة السيئات والانحرافات ، والدليل على ارادة هذا المعنى قوله تعالى : (إِذا تَرَدَّى) والمراد بتيسيره ندعه وأهواءه ، ولا نردعه بالقوة عما يختاره لنفسه من التردي والهلاك (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى). «ما» استفهام بمعنى الإنكار ، ويجوز أن تكون نفيا محضا ، والمراد بالتردي السقوط في حضيض الرذائل والقبائح.
ويتلخص معنى هذه الآيات من قوله تعالى : فأما من أعطى الى قوله تردى ، يتلخص بأن سنة الله في خلقه أن يبيّن لهم طريقي الصلاح والفساد ، ويمنحهم القدرة على فعلهما وتركهما ، ثم يعامل كلا بما يختاره لنفسه ، فان آثر الخير والصلاح شمله بتوفيقه وعنايته ، وان اختار الشر والفساد تخلى عنه ، وأو كله الى نفسه وأهوائه تقوده الى الشدائد والمهالك.