(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى). هذا جواب عن سؤال مقدر ، وهو : كيف تخلى سبحانه عن المسيء ووكله الى نفسه وأهوائه؟ ألا يتنافى هذا مع لطفه ورحمته؟. فأجاب سبحانه بأن عليه أن يزود العبد بالقدرة على العمل ، وبالعقل الذي يميز بين الخير والشر ، ثم يبين له ويرشده ويبشره وينذره ، وقد تحقق ذلك كله على أكمل وجه ، وهو منتهى اللطف والرحمة ، أما العمل والاهتداء فعلى العبد وحده ، ولا يلجئه الله اليه لأن الإلجاء يسلب الإنسان حريته وارادته ، بل وانسانيته لأن الإنسان بحريته وارادته. وتجدر الاشارة الى ان كلمة «على» هنا تدل على الوجوب خلافا للشيخ محمد عبده وغيره من الأشاعرة لأن الوجوب إذا نسب الى العبد فمعناه ان الغير أوجب عليه ، ولو ترك لكان مسؤولا ، وإذا نسب اليه تعالى فمعناه هو الذي أوجب على نفسه ما أوجب أي انه وعد وليس لوعده مترك. قال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ـ ٥٤ الانعام.
(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى). الله وحده مالك الملك في الدنيا والآخرة ، ولا تنفعه طاعة من أطاع ، ولا معصية من عصى ، ولا يجد العاصون مفرا من حكمه وسلطانه (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى). أمر سبحانه ونهى وحذر من عصى نارا تتلهب وتتسعر لعله يتوب من ذنبه ويرجع الى ربه (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى). يصلاها أي يدخل النار ويعذب فيها ، وقيل : المراد بالأشقى هنا الكافر وقال الشيخ محمد عبده : «الأشقى من هو أشد شقاء من غيره». والصحيح ان التفضيل هنا غير مقصود من جهة دخول النار ، لأنه ما من شقي إلا هو ذائقها : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) ـ ١٠٦ هود. والتفاوت بين الشقي والأشقى انما هو في أليم العذاب وشدته لا في أصل العذاب ، وعليه يكون المراد بالأشقى هنا من عصى الله وأعرض عن أمره سواء أعرض عنه لأنه لا يؤمن بالله وشريعته ، أم آمن به وبشريعته ولكنه قصّر وتهاون ، لا فرق بين الاثنين لأن الايمان وسيلة للعمل ، وليس غاية في نفسه ، فقد ثبت بنص القرآن ان من آمن ولم يعمل فهو والكافر بمنزلة سواء ، قال تعالى : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ـ ١٥٩ الانعام أي لم تؤمن إطلاقا أو آمنت ولم تعمل.
(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى). الهاء في سيجنبها تعود الى النار ، ومعنى يجنبها يبتعد