بالليل ، وانما عبّر سبحانه عن النهار بالضحى لأن الضحى صدر النهار على حد تعبير الرازي ، أو شباب النهار على تعبير الشيخ محمد عبده ، ومعنى السجو السكون ، يقال : ليل ساج إذا سكنت ريحه واشتدت ظلمته ، وبحر ساج إذا سكن ، والمراد بسجو الليل سكون أهله وانقطاعهم عن الحركة ، مثل ليل نائم ونهار صائم أي فيه ، وأقسم سبحانه بهاتين الآيتين لأنهما من آياته الكبرى .. وتجدر الاشارة الى ان كثيرا من الفقهاء قالوا : ان النبي (ص) صلى صلاة الضحى يوم فتح مكة ، وهي ركعتان عند البعض ، وأكثر عند آخرين ، وندب عند الجميع. وقال الشيعة الإمامية : لا حصر للصلاة المندوبة ، فهي قربان كل تقي فمن شاء استقل ومن شاء استكثر ، ولكل انسان أن يصلي ركعتين ابتداء في كل زمان ومكان بنية القربة المطلقة اليه تعالى.
(ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى). هذا جواب القسم ، ومعناه ما تركك وما أبغضك ، واتفق الرواة والمفسرون على ان الوحي قد احتبس عن رسول الله (ص) أياما ، فقال المشركون : ان إله محمد قد قلاه ، وان الناموس قد أبغضه ، فأنزل الله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى). وقال الشيخ محمد عبده ، ونعم ما قال : ليس في نسق السورة ما يشير الى ذلك ، ومن أين للمشركين أن يعلموا فترة الوحي؟. ولكن النبي كان قد اشتاق الى الوحي بعد ان ذاق حلاوته ، وكل ذوق يصحبه قلق ، وكل قلق يشوبه خوف وقد جاء في الصحيح ان النبي (ص) حزن لفترة الوحي حزنا كبيرا.
وبهذه المناسبة أشير الى اني قرأت كل ما نشر للشيخ محمد عبده ، فاكتشفت ان عظمة هذا الرجل وشهرته لا تكمن في علمه فقط ، ولا في سعة اطلاعه ، فان بعض تلاميذه ـ على ما رأيت ـ أوسع منه اطلاعا على الحواشي والشروح ، ومعرفة بأقوال السلف والخلف ، وانما السر الوحيد لعظمة هذا الشيخ يكمن في ثقته بالحق وإخلاصه له وجرأته على إعلانه ولو خالف الأولين والآخرين .. ومن أجل هذا كفرته عمائم السوء .. ولكن التاريخ قد أنصفه منها ، فوضعه في مكان الصدارة ، وألقى بها في سلة المهملات.
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى). الخطاب للرسول الأعظم (ص) والمراد بالآخرة هنا الحياة الآخرة ، والحياة الدنيا ابتداء من