وليس عن الآخرة وثوابها .. وأيضا قيل : ان العسر الثاني هو عين العسر الأول لأن كلا منهما مقرون بالألف واللام للجنس ، أما اليسر فقد أعيد على التنكير ، وإذا أعيدت النكرة كان المراد من الثاني غير المراد من الأول! .. ولا يستند هذا القول الى حجة ، وما هو إلا لعب بالألفاظ ، لأنك إذا قلت لخصمك : لي عليك درهمان. فقال : ان لك درهما ان لك درهما لا يكون هذا إقرارا منه بالدرهمين.
وحاول الشيخ محمد عبده ان يخالف بين العسرين ، لا بين اليسرين ، فقال : المراد بالعسر الأول العسر المعهود عند المخاطبين ، أما العسر الثاني فأعم ، وقد أطال الشرح والبيان لتأييد رأيه ، ولكنه لم يأت بشيء تركن اليه النفس ، فإن المتبادر من العسر الأول هو عين المتبادر من الثاني ، ولا فرق بينهما في المبنى ولا في المعنى.
سؤال ثان : لقد رأينا كثيرا من الناس يلازمهم العسر حتى الممات ، ولا يتفق هذا مع ظاهر الآية ، فما هو الجواب؟.
الجواب : ان الحكم في الآية مبني على الأعم الأغلب ، لا على العموم والشمول .. هذا ، الى أنها تبعث الأمل في النفوس ، وتدفعها على العمل للخلاص مما تعانيه مع الاعتصام بالله والتوكل عليه.
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) المراد بالنصب هنا التعب ، والمعنى إذا فرغت يا محمد من العمل لأجل الحياة فاتعب واجتهد للحياة من أجل الآخرة. وتجدر الاشارة الى ان بعض المأجورين للفتنة وبث النعرات بين أهل المذاهب الاسلامية قد نسب الى الشيعة الإمامية انهم يفسرون كلمة فانصب في الآية الكريمة بأنصب عليا للخلافة .. ويكفي في الرد على هذا الافتراء ما قاله صاحب مجمع البيان ، وهو من شيوخ المفسرين عند الشيعة الإمامية ، قال عند تفسير هذه الآية ما نصه بالحرف : «ومعنى انصب من النصب ، وهو التعب أي لا تشتغل بالراحة». (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ). لا تتجه بقلبك لغير الله ، ولا تستعن بأحد سواه. قال الرسول الأعظم (ص) : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم انه لو اجتمعت الانس والجن على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على ان يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك.