بهذا قليل. وذهب أكثر المفسرين والرواة والعلماء الى ان أول ما نزل سورتنا هذه او أوائلها. قال الشيخ محمد عبده : «صح في الاخبار ان النبي (ص) أول ما تمثل له الملك الذي تلقى عنه الوحي قال له : اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ ما لم يعلم» ومهما يكن فان على المسلم أن يؤمن ايمانا لا ريب فيه ان كل ما في القرآن هو من عند الله ، ولا يطلب منه البحث عن زمن الآيات وتاريخ نزولها.
والذي لا شك فيه ان الوحي نزل على الرسول الأعظم (ص) وهو في الأربعين من عمره الشريف ، وانه كان من قبل يؤمن بإله واحد ولا يشرك به شيئا ، وكانت ثقته به لا تتزعزع أبدا ، أما مصدر هذا الايمان فأمران : الأول ذاتي وهو عقله وفطرته. والثاني موروث عن جده ابراهيم الخليل (ع) ... ومن تتبع حياة النبي (ص) وسيرته يجد الكثير من الشواهد على إيمانه بإله واحد ، من ذلك انه ما سجد لصنم قط في صغره وكبره. ونقل الرواة ان أحد المشركين قال له قبل أن يبلغ سن الرجال : يا غلام أسألك بحق اللات والعزى ألا أخبرتني عن كذا. فقال له محمد (ص) : لا تسألني باللات والعزى فو الله ما بغضت شيئا بغضهما. وكان بينه وبين مشرك خلاف في شيء قبل البعثة ، فقال له المشرك : احلف باللات والعزى. فقال : ما حلفت بهما قط ، وإني أعرض عنهما.
وأيضا من ذلك قول زوجته السيدة خديجة حين شكا اليها ما أصابه عند نزول الوحي : «والله ما يخزيك الله أبدا ، انك تصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق». وفي هذه العبارة التاريخية ـ أي والله ما يخزيك الله ـ تظهر لنا بطريقة لا تحتمل الجدل فكرة الإله الواحد تشيع في الوسط العائلي المحمدي حتى قبيل دعوته ـ كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي».
وفي كل عصر من العصور حتى في عصر الجاهلية الجهلاء وجد أفراد آمنوا بالإله الواحد بدافع من عقولهم وصفاء فطرتهم ، ومنهم ورقة بن نوفل ، وزيد ابن عمرو ، وعثمان بن الحويرث وغيرهم. أنظر ج ٥ من ، هذا التفسير ص ٩٦ فقرة «الحنفاء» فهل يكثر على سيد الكونين وأشرف الخلق من الأولين والآخرين أن يهتدي بعقله الى الله الواحد القهار؟.