(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). هذا أول ما نزل من القرآن كما أشرنا ، ويؤيده الأمر بالابتداء باسمه تعالى. وقال سبحانه : الذي خلق مع حذف المفعول تعميما له وانه خالق لجميع الكائنات ، قال علماء العربية : ان حذف المتعلق يدل على العموم.
وتسأل : كان النبي (ص) أميا لا يقرأ ولا يكتب ، والله سبحانه يعلم ذلك من نبيّه ، فكيف يوجه له الأمر بالقراءة؟ أليس هذا تكليفا بما لا يطاق؟.
وأجاب الشيخ محمد عبده بأن الأمر في قوله تعالى : اقرأ باسم ربك هو أمر تكويني يقول للشيء : كن فيكون ، وليس أمرا تكليفيا مثل أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. أنظر ج ١ ص ٧٢ فقرة «التكوين والتشريع». وعليه يكون المعنى كن الآن قارئا ، وإن لم تكن كذلك من قبل ، فإن الرب الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يجعلك يا محمد قارئا من غير أن تتعلم القراءة.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ). بعد أن ذكر سبحانه انه خالق كل شيء خص الإنسان تكريما له (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) ـ ٧٠ الإسراء وتنبيها على عظيم قدرته تعالى التي جعلت من العلقة ـ وهي دم جامد ـ هذا الإنسان العظيم العجيب بتركيبه وغرائزه كي يستدل بذلك على وجود الخالق القادر (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) ـ ٦٧ مريم.
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ). اقرأ هذا الأمر تأكيد للأمر الأول بالقراءة. وربك الأكرم الذي علم بالقلم جملة مستأنفة ، ومعناها ان الله كريم ولا حد لكرمه تماما كقدرته وعلمه ، ولا شيء أدل على جوده وفضله من انه ، جلت عظمته ، ارتقى بالإنسان من أدنى المراتب وهي العلقة الى أعلاها وهي الكتابة بالقلم ، ولها من الفوائد ما لا يبلغه الإحصاء ، من ذلك انها تربط الماضي بالمستقبل ، وشرق الأرض بغربها ، بخاصة بعد اكتشاف الطباعة التي جعلت العلم مشاعا للجميع حتى العميان يقرءون الكتابة بالحروف البارزة ، وإذا كان اللسان يفصح عما في الجنان فإن كلامه يذهب مع الريح ، ومن هنا قيل : القلم ينوب عن اللسان ، واللسان لا ينوب عن القلم.
(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ). الله سبحانه لا يقذف العلم بقلب الإنسان ، وانما