وقائل : ان المراد بالقدر هنا الشرف والعظمة. وهذا القول أقرب الى كلمة القدر لأنه يقال : فلان له قدر أي شرف وعظمة ، ويؤيده ان الله سبحانه وصف هذه الليلة بالمباركة في الآية ٣ من سورة الدخان (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) والبركة السعادة والنمو ، وليس من شك ان الانسانية تنمو وتسعد لو سارت على نهج القرآن الذي نزل في ليلة القدر.
(وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ). هذا تعظيم لشأنها وعلو قدرها وانه فوق التصور (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) لا قدر فيه وإلا لزم تفضيل الشيء على نفسه ، والمعنى ان من أحيا ليلة القدر بالعبادة وعمل الخير فكأنما عبد الله ألف شهر. قال الرازي : «هذه الآية فيها بشارة عظيمة ، وفيها تهديد عظيم ، أما البشارة فهي انه تعالى ذكر ان هذه الليلة خير ولم يبين قدر الخيرية ، وهذا كقول النبي (ص) لعلي (ع) لمبارزة علي مع عمر بن ود أفضل من عمل امتي الى يوم القيامة ، فلم يقل مثل عمله بل قال أفضل ، كأنه يقول : حسبك هذا من الوزن والباقي جزاف».
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ). كثرت في هذه الآية التفاسير والأقوال ، ونذكر أولا معاني مفرداتها ثم مجمل المعنى. وتنزل لا يحتاج الى تفسير ، ولكن الله سبحانه لم يذكر الى أين تنزل ملائكته ليلة القدر؟ هل تنزل الى أرضنا أو الى غيرها من الأفلاك أو الى كل مكان كما يقتضيه حذف المتعلق؟. والروح هو جبريل ، وضمير فيها يعود الى ليلة القدر ، وبإذن ربهم أي بأمره ، ومن كل أمر «من» سببية أي لأجل ، وكل أمر يعم كل شيء في السموات والأرض ، ومجمل المعنى ان الله سبحانه يأمر في ليلة القدر الملائكة بالنزول الى كل مكان من أجل كل شيء .. وإذا سئلنا : ما هو المراد من أجل كل شيء؟ هل هو تدبير الأشياء وتقرير مصيرها أو معاينتها واحصاؤها أو غير ذلك ، إذا سئلنا عن ذلك قلنا : الله أعلم. وقال الشيخ محمد عبده : المراد ان أول عهد النبي (ص) بشهود الملائكة كان في ليلة القدر! .. وهذا بعيد عن ظاهر اللفظ.
(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). ضمير هي يعود الى ليلة القدر ، ولكن