وسبق منا أكثر من مرة ان كل ما جاء في كتاب الله وجب العمل بظاهره حتى يثبت العكس من النقل أو العقل ، والعقل لا يأبى شيئا من أوصاف الجنة التي دل عليها ظاهر الآيات فوجب الأخذ به وابقاؤه على حقيقته ودلالته.
وتسأل : ان الله سبحانه ذكر في غير مكان من كتابه ان أهل الجنة يتنعمون فيها بلذة معنوية لا حسية ، كحب الله لهم ، ومرضاته عنهم ، وارتفاع شأنهم عنده ، من ذلك قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) آخر القمر. وقوله : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) ـ ٩٦ مريم. فما هو وجه الجمع بين ما دل من الآيات على ان نعيم الجنة يكون باللذة الحسية وما دل منها على انه يكون باللذة المعنوية؟.
الجواب : لا مانع من الجمع بين اللذتين والعمل بالدلالتين .. فأهل الجنة يتنعمون بحب الله وبعلو الشأن عنده ، وأيضا يتنعمون بالطيبات من المآكل والمشارب. قال الملا صدرا في الأسفار : «أما الجنة فهي كما دل عليه الكتاب والسنّة مطابقا للبرهان ... فلا موت فيها ولا هرم ولا غم ولا سقم ولا دثور ولا زوال ، وهي دار المقامة والكرامة لا يمس أهلها نصب ولا لغوب ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، وهم فيها خالدون ، وأهلها جيران الله وأولياؤه وأحباؤه ، وأهل كرامته ، وانهم على مراتب متفاضلة ، منهم المتنعمون بالتسبيح والتكبير ، ومنهم المتنعمون باللذات المحسوسة كأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك والحور العين واستخدام الولدان والجلوس على النمارق والزرابي ولبس السندس والحرير والإستبرق ، وكل منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد على حسب ما تعلقت به همته».
(وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ). الذين يتنعمون بملذات الدنيا وشهواتها يحاسبون عليها حسابا عسيرا : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٥٦ المؤمنون. أما أهل الجنة فإنهم يتقلبون في نعيمها وهم في أمن وأمان من حساب الله وعقابه (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ). في الكلام حذف دل عليه السياق ، والتقدير أفمن هو خالد في الجنة كمن هو خالد في النار لا يستوون (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ). كيف يستوون ، وأصحاب الجنة