نصرناك يا محمد نصرا ظاهرا ، واختلف المفسرون في نوع هذا النصر وتحديده على أقوال أنهاها الطبرسي إلى أربعة والرازي إلى خمسة. وأكثر المفسرين أو الكثير منهم على ان المراد بالنصر هنا صلح الحديبية لأن هذه السورة نزلت بعد الهدنة التي عقدها النبي (ص) مع أهل مكة في الحديبية .. ومع هذا فأرجح الأقوال عندنا ان المراد بالنصر هنا إعلاء كلمة الإسلام وقوة المسلمين ، وخذلان أعدائه المنافقين والمشركين ، لأن الفتح في الآية مطلق غير مقيد بصلح الحديبية أو بفتح مكة أو النصر على الروم والفرس أو غير ذلك ، وعليه تكون هذه الآية مرادفة للآية ٣٣ من سورة التوبة : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). وبكلمة واحدة المراد بالنصر الجنس لا الفرد.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ). وتسأل : متى أذنب النبي حتى يصفح الله عن ذنبه؟ وما هو ذنبه المتقدم والمتأخر؟ وأين عصمة الأنبياء الرادعة عن الذنب؟ وكيف يكون الفتح سببا للمغفرة؟ وما هي العلاقة بينهما؟.
الجواب : ليس المراد بالذنب هنا ذنب الرسول حقيقة وواقعا ، كيف وهو معصوم عن الخطيئة والخطأ؟ وإنما المراد ان المشركين كانوا يعتقدون بأن النبي مذنب في دعوته الى التوحيد ونبذ الشرك وفي محاربته الأوضاع السائدة والتقاليد الموروثة ، أما المغفرة فالمراد بها ان هؤلاء المشركين اكتشفوا مؤخرا ومع الأيام والأحداث ان محمدا (ص) بريء من كل ذنب ؛ وانه رسول الله حقا وصدقا ، وانهم كانوا هم المذنبين في اتهامه والطعن برسالته .. وتوضيح ذلك ان الرسول الأعظم (ص) دعا الى التوحيد وندد بالأصنام وأهلها ، وحارب الظلم والاستغلال ، وما إلى ذلك من مفاسد الجاهلية وتقاليدها .. وأي شيء أعظم ذنبا وجرما ـ عند الجاهلي وغيره ـ من الطعن بمقدساته الدينية وعادات آبائه وأجداده التي هي جزء من طبيعته وكيانه ، ولكن بعد أن أظهر الله دينه ونصر نبيه بالدلائل والبينات ودخل الناس في دين الله أفواجا ، ومنهم المشركون الذين كانوا ينظرون الى النبي (ص) نظرتهم الى من تجرم عليهم وعلى آلهتهم وآبائهم ، بعد هذا كله تبين لهم ان محمدا هو المحق ، وانهم هم المخطئون.