والخلاصة ان المراد بذنب الرسول ذنبه في زعم أعدائه المشركين لا ذنبه في الواقع ، والمراد بالمغفرة مغفرتهم له هذا الذنب المزعوم أي توبتهم مما كانوا يظنون بنبي الرحمة ، أما نسبة الذنب الى الرسول في ظاهر الكلام ، ونسبة المغفرة الى الله ، أما هذه فأمرها سهل لأن المجاز يتسع لها ولأكثر منها .. أما وجه الصلة بين الفتح وهذه المغفرة فواضح لأن الفتح هو السبب الموجب للكشف عن صدق الرسول وبراءته من الذنب المزعوم الذي رماه به المشركون من قبل الفتح.
(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بانتصارك على أعداء الله وأعدائك وبعلو شأنك دنيا وآخرة (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وهو الشريعة الإلهية التي تضمن للناس خيرهم وصلاحهم في كل زمان ومكان (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً). والنصر العزيز هو الذي يكون بالحق وللحق ، وبالجهاد المشروع لا بالغدر والمؤامرات ، ولا بمساندة أهل البغي والانقلابات.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ). المراد بالسكينة هنا الرضا والاطمئنان عن وعي ، لأن الحوادث علمتنا بأن اطمئنان الجاهل ينتهي به الى أسوأ العواقب ، والمعنى ان الله أعز دينه ونصر نبيه ليفرح المؤمنون وتطمئن قلوبهم ويزدادوا يقينا بربهم ، وثقة بنبيهم ، وقوة في دينهم. (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). هذا كناية عن عظمة الله في قدرته وإلا فهو غني عن العالمين لأنه يقول للشيء : كن فيكون. وفيه إيماء الى أنه لو شاء سبحانه لأهلك المشركين من غير جهاد وقتال ، ولكن ليبلو عباده أيهم أحسن عملا (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) في خلقه وتدبيره.
(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً). قال الطبري : حين نزل قوله تعالى : انا فتحنا لك فتحا مبينا الخ. قال المؤمنون لرسول الله (ص) : هنيئا لك يا رسول الله ، فلقد بيّن الله لك ما ذا يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا نحن؟ فنزل قوله : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الخ. وليس من شك ـ وان لم تصح هذه الرواية ـ ان الله يكفر سيئات التائبين ويدخل المؤمنين في رحمته وجنته ، ومن دخل الجنة فقد فاز بالسهم الأوفر.