أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألا ترون ان الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم الى آخرين من هذا العالم بأحجار ما تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما. ثم جعله بأوعر (١) بقاع الأرض حجرا وأقل نتائق الدنيا مدرا (٢) وأضيق بطون الاودية معاشا ، وأغلظ محال المسلمين مياها بين جبال خشنة ورمال دمثة (٣) وقرى منقطعة واثر من مواضع قطر السماء داثر (٤) ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حافر (٥) ثم امر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع أسفارهم وغاية لملقى رحالهم تهوى اليه ثمار الافئدة من مفاوز قفار متصلة وجزائر بحار منقطعة ومهاوي فجاج عميقة حتى يهزوا مناكبهم ذللا لله حوله ويرملوا على أقدامهم شعثا غبرا له ، قد نبذوا القنع والسرابيل وراء ظهورهم وحسروا بالشعور حلقا عن رؤسهم (٦) ابتلاء عظيما واختبارا كبيرا وامتحانا شديدا وتمحيصا بليغا وقنوتا
__________________
(١) وعر المكان : صلب.
(٢) قال الجزري في حديث على (عليهالسلام) في صفة مكة : والكعبة أقل نتائق الدنيا مدرا ، النتائق جمع نتيقة ، فعيلة بمعنى مفعولة من النتق وهو ان تقلع الشيء فترفعه من مكانه لترمى به هذا هو الأصل وأراد بها هاهنا البلا لرفع بنائها وشهرتها في موضعها. «انتهى» وقال الشارح المعتزلي : أصل هذه اللفظة من قولهم امرأة منتاق اى كثيرة الحبل والولادة ، ويقال : ضيعة منتاق اى كثيرة الريع فجعل عليهالسلام الضياع ذوات المدر التي تثار للحرث نتائق وقال ان مكة أقلها صلاحا للزرع لان أرضها حجرية.
(٣) رما ـ دمثة : سهلة وكلما كان الرمل أسهل كان أبعد عن ان ينبت ـ.
(٤) الأثر : بقية رسم الشيء ، والدثور : الدروس وهو أن تهب الرياح على المنزل فيغشى رسومه الرمل ويغطيه.
(٥) الخف هاهنا هو الإبل ، والحافر الخيل والحمير ، والظلف الشاة «ولا يزكو بها» اى لا تزيد اى ليس حولها مرعى ترعاه تلك فتسمن.
(٦) قوله عليهالسلام : «يثنوا أعطافهم نحوه ... اه» الثني : العطف ، وعطفا الرجل : جا بناء اى يقصدوه ويحجوه ، يقال : ثنا عطفه نحوه اى توجه اليه والمثابة : المرجع