موجودين ، أو في تقدير الموجودين يدعون الآخرين.
وقد وصف أهل الإسلام بالآخرين في حديث فضل الجمعة «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا» الحديث. وإذ قد وصف السابقون بما دل على أنهم أهل السبق إلى الخير ووصفت حالهم في القيامة عقب ذلك فقد علم أنهم أفضل الصالحين من أصحاب الأديان الإلهية ابتداء من عصر آدم إلى بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم وهم الذين جاء فيهم قوله تعالى : (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء : ٦٩].
فلا جرم أن المراد ب (الْأَوَّلِينَ) الأمم الأولى كلها ، وكان معظم تلك الأمم أهل عناد وكفر ولم يكن المؤمنون فيهم إلا قليلا كما تنبئ به آيات كثيرة من القرآن.
ووصف المؤمنون من بعض الأمم عند أقوامهم بالمستضعفين ، وبالأرذلين ، وبالأقلين.
ولا جرم أن المراد بالآخرين الأمة الأخيرة وهم المسلمون.
فالسابقون طائفتان طائفة من الأمم الماضين ومجموع عددها في ماضي القرون كثير مثل أصحاب موسى عليهالسلام الذين رافقوه في التيه ، ومثل أصحاب أنبياء بني إسرائيل ، ومثل الحواريين ، وطائفة قليلة من الأمة الإسلامية وهم الذين أسرعوا للدخول في الإسلام وصحبوا النبي صلىاللهعليهوسلم كما قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) [التوبة : ١٠٠] ، وإذ قد كانت هذه الآية نزلت قبل الهجرة فهي لا يتحقق مفادها إلا في المسلمين الذين بمكة.
و (مِنَ) تبعيضية كما هو بيّن ، فاقتضى أن السابقين في الأزمنة الماضية وزمان الإسلام حاضره ومستقبله بعض من كلّ ، والبعضية تقتضي القلة النسبية ولفظ (ثُلَّةٌ) مشعر بذلك ولفظ (قَلِيلٌ) صريح فيه.
وإنما قوبل لفظ (ثُلَّةٌ) بلفظ (قَلِيلٌ) للإشارة إلى أن الثلة أكثر منه. وعن الحسن أنه قال : سابقو من مضى أكثر من سابقينا.
وروي عن أبي هريرة «أنه لما نزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) شقّ ذلك على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وحزنوا وقالوا : إذن لا يكون من أمة محمد إلا قليل ، فنزلت نصف النهار (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [الواقعة : ٣٩ ، ٤٠] فنسخت :