وحفظه. والإشراف ، (أي الذي هو الاطلاع) يرجع إلى العلم ، والاستيلاء يرجع إلى كمال القدرة ، والحفظ يرجع إلى الفعل. والجامع بين هذه المعاني اسمه (الْمُهَيْمِنُ) ولن يجتمع على ذلك الكمال والإطلاق إلا الله تعالى ، ولذلك قيل : إنه من أسماء الله تعالى في الكتب القديمة ا ه. وفي هذا التعريف بهذا التفصيل نظر ولعله جرى من حجة الإسلام مجرى الاعتبار بالصفة لا تفسير مدلولها.
وتعقيب (الْمُؤْمِنُ) ب (الْمُهَيْمِنُ) لدفع توهم أن تأمينه عن ضعف أو عن مخافة غيره ، فأعلموا أن تأمينه لحكمته مع أنه رقيب مطلع على أحوال خلقه فتأمينه إياهم رحمة بهم.
و (الْعَزِيزُ) الذي لا يغلب ولا يذلّه أحد ، ولذلك فسر بالغالب.
و (الْجَبَّارُ) : القاهر المكره غيره على الانفعال بفعله ، فالله جبار كل مخلوق على الانفعال لما كوّنه عليه لا يستطيع مخلوق اجتياز ما حدّه له في خلقته فلا يستطيع الإنسان الطيران ولا يستطيع ذوات الأربع المشي على رجلين فقط ، وكذلك هو جبّار للموجودات على قبول ما أراده بها وما تعلقت به قدرته عليها.
وإذا وصف الإنسان بالجبار كان وصف ذمّ لأنه يشعر بأنه يحمل غيره على هواه ولذلك قال تعالى : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) [القصص : ١٩]. فالجبار من أمثلة المبالغة لأنه مشتق من أجبره ، وأمثلة المبالغة تشتق من المزيد بقلة مثل الحكيم بمعنى المحكم ، قال الفراء : لم أسمع فعّالا في أفعل إلا جبّارا ودرّاكا. وكان القياس أن يقال : المجبر والمدرك ، وقيل : الجبار معناه المصلح من جبر الكسر ، إذا أصلحه ، فاشتقاقه لا نذرة فيه.
و (الْمُتَكَبِّرُ) : الشديد الكبرياء ، أي العظمة والجلالة. وأصل صيغة التفعل أن تدل على التكلف لكنها استعملت هنا في لازم التكلف وهو القوة لأن الفعل الصادر عن تأنق وتكلف يكون أتقن.
ويقال : فلان يتظلم على الناس ، أي يكثر ظلمهم.
ووجه ذكر هذه الصفات الثلاث عقب صفة (الْمُهَيْمِنُ) أن جميع ما ذكره آنفا من الصفات لا يؤذن إلا باطمئنان العباد لعناية ربهم بهم وإصلاح أمورهم وأن صفة (الْمُهَيْمِنُ) تؤذن بأمر مشترك فعقبت بصفة (الْعَزِيزُ) ليعلم الناس أن الله غالب لا يعجزه