وتكون المسلمة زوجا لمشرك فتحدث في ذلك حوادث لا يستغني المسلمون عن معرفة حكم الشريعة في مثلها.
وقد حدث عقب الصلح الذي انعقد بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين المشركين في الحديبية سنة ستّ مجيء أبي جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد وكان مسلما وكان موثقا في القيود عند أبيه بمكة فانفلت وجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في الحديبية وكان من شروط الصلح «أن من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه» فرده النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم ، ولما رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هاربة من زوجها عمرو بن العاص ، وجاءت سبيعة الأسلمية مهاجرة هاربة من زوجها صيفي بن الراهب أو مسافر المخزومي ، وجاءت أميمة بنت بشر هاربة من زوجها ثابت بن الشّمراخ وقيل : حسان بن الدحداحة. وطلبهن أزواجهن فجاء بعضهم إلى المدينة جاء زوج سبيعة الأسلمية يطلب ردها إليه وقال : إن طينة الكتاب الذي بيننا وبينك لم تجف بعد ، فنزلت هذه الآية فأبى النبي صلىاللهعليهوسلم أن يردها إليه ولم يرد واحدة إليهم وبقيت بالمدينة فتزوج أمّ كلثوم بنت عقبة زيد بن حارثة. وتزوج سبيعة عمر رضياللهعنه (١) وتزوج أميمة سهل بن حنيف (٢).
وجاءت زينب بنت النبي صلىاللهعليهوسلم مسلمة ولحق بها زوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بعد سنين مشركا ثم أسلم في المدينة فردها النبي صلىاللهعليهوسلم إليه.
وقد اختلف : هل كان النهي في شأن المؤمنات المهاجرات أن يرجعوهن إلى الكفار نسخا لما تضمنته شرط الصلح الذي بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين المشركين أو كان الصلح غير مصرح فيه بإرجاع النساء لأن الصيغة صيغة جمع المذكر فاعتبر مجملا وكان النهي الذي في هذه الآية بيانا لذلك المجمل. وقد قيل : إن الصلح صرح فيه بأن من جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم من غير إذن وليّه من رجل أو امرأة يرد إلى وليه. فإذا صحّ ذلك كان صريحا وكانت الآية ناسخة لما فعله النبي صلىاللهعليهوسلم.
والذي في سيرة ابن إسحاق من رواية ابن هشام خلي من هذا التصريح ولذلك كان لفظ الصلح محتملا لإرادة الرجال لأن الضمائر التي اشتمل عليها ضمائر تذكير.
__________________
(١) في المطبوعة : «سهل بن حنيف» والمثبت من «تفسير البغوي» (٤ / ٣٣٣) و «الإصابة» (٤ / ٣٢٥).
(٢) انظر «الإصابة» (٤ / ٢٣٩).