المسلمين العامة في كل مكان وكل زمان وهم ولاة الأمور من أمراء وقضاة إذ لا يمكن أن يقوم المسلمون بما خوطبوا به من مثل هذه الأمور العامة إلّا على هذا الوجه ولكن على كل فرد من المسلمين التزام العمل به في خاصة نفسه والتزام الامتثال لما يقرره ولاة الأمور.
وإذ قد كان محمل لفظ الحل وما تصرف منه في كلام الشارع منصرفا إلى معنى الإباحة الشرعية وهي الجواز وضد التحريم.
ومن الواضح أن الكفار لا تتوجه إليهم خطابات التكليف بأمور الإسلام إذ هم خارجون عنه فمطالبتهم بالتكاليف الإسلامية لا يتعلّق به مقصد الشريعة ، ولذلك تعدّ المسألة الملقبة في علم الأصول بمسألة : خطاب الكفار بالفروع ، مسألة لا طائل تحتها ولا ينبغي الاشتغال بها بله التفريع عليها.
وإذ قد علق حكم نفي حل المرأة الذي هو معنى حرمة دوام عصمتها على ضمير الكفار في قوله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ). ولم يكن الكفار صالحين للتكليف بهذا التحريم فقد تعين تأويل هذا التحريم بالنسبة إلى كونه على الكافرين ، وذلك بإرجاع وصف الحل المنفي إلى النساء في كلتا الجملتين وإبداء وجه الإتيان بالجملتين ووجه التعاكس في ترتيب أجزائهما. وذلك أن نقول : إن رجوع المرأة المؤمنة إلى الزوج الكافر يقع على صورتين:
إحداهما : أن ترجع المرأة المؤمنة إلى زوجها في بلاد الكفر ، وذلك هو ما ألح الكفار في طلبه لمّا جاءت بعض المؤمنات مهاجرات.
والثانية : أن ترجع إلى زوجها في بلاد الإسلام بأن يخلى بينها وبين زوجها الكافر يقيم معها في بلاد الإسلام إذا جاء يطلبها ومنع من تسلمها. وكلتا الصورتين غير حلال للمرأة المسلمة فلا يجيزها ولاة الأمور ، وقد عبر عن الصورة الأولى بجملة (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ) إذ جعل فيها وصف حل خبرا عن ضمير النساء وأدخلت اللام على ضمير الرجال ، وهي لام تعدية الحلّ وأصلها لام الملك فأفاد أن لا يملك الرجال الكفار عصمة أزواجهم المؤمنات وذلك يستلزم أن بقاء النساء المؤمنات في عصمة أزواجهن الكافرين غير حلال ، أي لم يحللهن الإسلام لهم.
وقدم (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ) لأنه راجع إلى الصورة الأكثر أهمية عند المشركين إذ كانوا يسألون إرجاع النساء إليهم ويرسلون الوسائط في ذلك بقصد الرد عليهم بهذا.