وإن كان البهتان مستعارا للباطل الشبيه بالخبر البهتان ، كان (بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) محتملا للكناية عن تمكين المرأة نفسها من غير زوجها يقبلها أو يحبسها ، فذلك بين يديها أو يزني بها ، وذلك بين أرجلها.
وفسره أبو مسلم الأصفهاني بالسحر إذ تعالج أموره بيديها ، وهي جالسة تضع أشياء السحر بين رجليها.
ولا يمنع من هذه المحامل أن النبي صلىاللهعليهوسلم بايع الرجال بمثلها. وبعض هذه المحامل لا يتصور في الرجال إذ يؤخذ لكل صنف ما يصلح له منها.
وبعد تخصيص هذه المنهيات بالذكر لخطر شأنها عمم النهي بقوله : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) والمعروف هو ما لا تنكره النفوس. والمراد هنا المعروف في الدين ، فالتقييد به إما لمجرد الكشف فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يأمر إلا بالمعروف ، وإما لقصد التوسعة عليهن في أمر لا يتعلق بالدين كما فعلت بريرة إذ لم تقبل شفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم في إرجاعها زوجها مغيثا إذ بانت منه بسبب عتقها وهو رقيق.
وقد روي في «الصحيح» عن أمّ عطية أن النبي صلىاللهعليهوسلم نهاهنّ في هذه المبايعة عن النياحة فقبضت امرأة يدها وقالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها. فما قال لها النبيصلىاللهعليهوسلم شيئا فانطلقت ورجعت فبايعها. وإنما هذا مثال لبعض المعروف الذي يأمرهن به النبي صلىاللهعليهوسلم تركه فاش فيهن.
وورد في أخبار أنه نهاهن عن تبرج الجاهلية وعن أن يحدثن الرجال الذين ليسوا بمحرم فقال عبد الرحمن بن عوف : يا نبيء الله إن لنا أضيافا وإنا نغيب ، قال رسول الله : ليس أولئك عنيت. وعن ابن عباس : نهاهنّ عن تمزيق الثياب وخدش الوجوه وتقطيع الشعور والدعاء بالويل والثبور ، أي من شئون النياحة في الجاهلية.
وروى الطبري بسنده إلى ابن عباس لمّا أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم البيعة على النساء كانت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان جالسة مع النساء متنكرة خوفا من رسول الله أن يقتصّ منها على شقها بطن حمزة وإخراجها كبده يوم أحد. فلما قال : (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) ، قالت هند : وكيف نطمع أن يقبل منا شيئا لم يقبله من الرجال. فلما قال : (وَلا يَسْرِقْنَ). قالت هند : والله إني لأصيب من مال أبي سفيان هنات فما أدري أتحل لي أم لا؟ فقال : أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال. فضحك