(فَاشْهَدُوا) [آل عمران : ٨١] ، أي على أممكم وسيجيء من حكاية كلام عيسى في الإنجيل ما يشرح هذه الشهادة.
وقال تعالى في خصوص ما لقّنه إبراهيم عليهالسلام (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [البقرة : ١٢٩] الآية.
وأوصى به عيسى عليهالسلام في هذه الآية وصية جامعة لما تقدمها من وصايا الأنبياء وأجملها إجمالا على طريق الرمز. وهو أسلوب من أساليب أهل الحكمة والرسالة في غير بيان الشريعة ، قال السّهروردي : في تلك حكمة الإشراق «وكلمات الأوّلين مرموزة» فقال قطب الدين الشيرازي في «شرحه» : «كانوا يرمزون في كلامهم إما تشحيذا للخاطر باستكداد الفكر أو تشبها بالباري تعالى وأصحاب النواميس فيما أتوا به من الكتب المنزلة المرموزة لتكون أقرب إلى فهم الجمهور فينتفع الخواصّ بباطنها والعوام بظاهرها. اه» ، أي ليتوسمها أهل العلم من أهل الكتاب فيتحصل لهم من مجموع تفصيلها شمائل الرسول الموعود به ولا يلتبس عليهم بغيره ممن يدّعي ذلك كذبا. أو يدّعيه له طائفة من الناس كذبا أو اشتباها.
ولا يحمل قوله : (اسْمُهُ أَحْمَدُ) على ما يتبادر من لفظ اسم من أنه العلم المجهول للدلالة على ذات معيّنة لتميزه من بين من لا يشاركها في ذلك الاسم لأن هذا الحمل يمنع منه وأنه ليس بمطابق للواقع لأن الرسول الموعود به لم يدعه الناس أحمد فلم يكن أحد يدعو النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم باسم أحمد لا قبل نبوته ولا بعدها ولا يعرف ذلك.
وأما ما وقع في «الموطأ» و «الصحيحين» عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب» (١) فتأويله أنه أطلق الأسماء على ما يشمل الاسم العلم والصفة الخاصة به على طريقة التغليب. وقد رويت له أسماء غيرها استقصاها أبو بكر ابن العربي في «العارضة» و «القبس».
فالذي نوقن به أن محمل قوله : (اسْمُهُ أَحْمَدُ) يجري على جميع ما تحمله جزءا هذه الجملة من المعاني.
__________________
(١) وقع هذا الحديث مرسلا في أكثر الروايات عن مالك ووقع في رواية معن بن عيسى ، وأبي مصعب الزهري ، وعبد الله بن نافع عن مالك أنّ محمد بن جبير رواه عن أبيه فهو مسند.