الموعود به بأنها بشارة الملكوت (١).
وإنما أخبرهم بمجيء رسول من بعده لأن بني إسرائيل لم يزالوا ينتظرون مجيء رسول من الله يخلصهم من براثن المتسلطين عليهم وهذا الانتظار ديدنهم ، وهم موعودون لهذا المخلّص لهم على لسان أنبيائهم بعد موسى. فكان وعد عيسى به كوعد من سبقه من أنبيائهم ، وفاتحهم به في أول الدعوة اعتناء بهذه الوصية.
وفي الابتداء بها تنبيه على أن ليس عيسى هو المخلص المنتظر وأن المنتظر رسول يأتي من بعده وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.
ولعظم شأن هذا الرسول الموعود به أراد الله أن يقيم للأمم التي يظهر فيها علامات ودلائل ليتبينوا بها شخصه فيكون انطباقها فاتحة لإقبالهم على تلقّي دعوته ، وإنما يعرفها حقّ معرفتها الراسخون في الدين من أهل الكتاب لأنهم الذين يرجع إليهم الدهماء من أهل ملتهم قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٤٦]. وقال : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) [الرعد : ٤٣].
وقد وصف الله بعض صفات هذا الرسول لموسى عليهالسلام في قوله تعالى حكاية عن إجابته دعاء موسى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) إلى قوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف : ١٥٧].
فلما أراد الله تعالى إعداد البشر لقبول رسالة هذا الرسول العظيم الموعود بهصلىاللهعليهوسلم استودعهم أشراطه وعلاماته على لسان كل رسول أرسله إلى الناس. قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [آل عمران : ٨١ ، ٨٢] أي أأخذتم إصري من أممكم على الإيمان بالرسول الذي يجيء مصدقا للرسل. وقوله :
__________________
(١) في «الإصحاح الرابع والعشرين» من «إنجيل متّى» فقرة ١١ ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة.