(فارقليط) آخر ليثبت معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. ثم قال : وأما الفارقليط الروح القدس الذي سيرسله الأب (الله) باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم» ، أي في جملة ما يعلّمكم أن يذكركم بكل ما قلته لكم. وهذا يفيد تفضيله على عيسى بفضيلة دوام شريعة المعبر عنها بقول الإنجيل «ليثبت معكم إلى الأبد» وبفضيلة عموم شرعه للأحكام المعبر عنه بقوله : «يعلمكم كل شيء».
والوصف ب (أَحْمَدُ) على المعنى الثاني في الاسم. أن سمعته وذكره في جيله والأجيال بعده موصوف بأنه أشدّ ذكر محمود وسمعة محمودة.
وهذا معنى قوله في الحديث «أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة» وأن الله يبعثه مقاما محمودا.
ووصف (أَحْمَدُ) بالنسبة إلى المعنى الثالث في الاسم رمز إلى أنه اسمه العلم يكون بمعنى : أحمد ، فإن لفظ محمّد اسم مفعول من حمّد المضاعف الدال على كثرة حمد الحامدين إياه كما قالوا : فلان ممدّح ، إذا تكرر مدحه من مادحين كثيرين.
فاسم «محمّد» يفيد معنى : المحمود حمدا كثيرا ورمز إليه بأحمد.
وهذه الكلمة الجامعة التي أوحى الله بها إلى عيسى عليهالسلام أراد الله بها أن تكون شعارا لجماع صفات الرسول الموعود به صلىاللهعليهوسلم ، صيغت بأقصى صيغة تدل على ذلك إجمالا بحسب ما تسمح اللغة بجمعه من معاني. ووكل تفصيلها إلى ما يظهر من شمائله قبل بعثته وبعدها ليتوسمها المتوسمون ويتدبر مطاويها الراسخون عند المشاهدة والتجربة.
جاء في إنجيل متّى في الإصحاح الرابع والعشرين قول عيسى «ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرا ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز (١) ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يكون المنتهى» ، ومعنى يكرز يدعو وينبئ ،
__________________
(١) كذا وقعت كلمة يكرز في ترجمة الإنجيل ولم أتحقق مأخذ المترجم لهاته الكلمة. ولعلها مأخوذة من اسم الكرّاز (بتشديد الراء) اسم الكبش الذي يضع عليه الراعي كرزه فيحمله ، أو من الكرز بضم الكاف وسكون الراء ضرب من الجوالق كبير يحمل فيه الراعي زاده ومتاعه. ومن المعلوم تشبيه الرسل برعاة الغنم. ومن كلام عيسىعليهالسلام : «إنما بعثت لخرفان بني إسرائيل» وأما فعل كرز فلعله من باب قعد.