هذا خطاب آخر للمؤمنين تكملة لما تضمنه الخطاب بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) إلى قوله : (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [الصف : ١٠ ، ١١] الآية الذي هو المقصود من ذلك الخطاب ، فجاء هذا الخطاب الثاني تذكيرا بأسوة عظيمة من أحوال المخلصين من المؤمنين السابقين وهم أصحاب عيسى عليهالسلام مع قلة عددهم وضعفهم.
فأمر الله المؤمنين بنصر الدين وهو نصر غير النصر الذي بالجهاد لأن ذلك تقدم التحريض عليه في قوله : (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [الصف : ١١] الآية ووعدهم عليه بأن ينصرهم الله ، فهذا النصر المأمور به هنا نصر دين الله الذي آمنوا به بأن يبثّوه ويثبتوا على الأخذ به دون اكتراث بما يلاقونه من أذى من المشركين وأهل الكتاب ، قال تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ
__________________
قال السيد : استصعب الشارح هذا العطف والأمر هيّن لأنا نختار أولا أنه معطوف على مجموع جملة وهو حسبي.
ونختار ثانيا أنه معطوف على حسبي ، ولا حاجة إلى تضمينه معنى يحسبني فإن الجمل التي لها محل من الإعراب واقعة موقع المفردات فيجوز عطفها على المفردات وعكسه.
وأما قوله : (أي الشارح) : لكنه في الحقيقة من عطف الإنشاء على الإخبار فجوابه : أن ذلك جائز في الجمل التي لها محل من الإعراب نص عليه العلامة في سورة نوح وكفاك حجة قاطعة على جوازه قوله تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فإن هذه الواو من الحكاية لا من المحكي ، أي قالوا : حسبنا الله. وقالوا : نعم الوكيل اه.
قلت : ومراد صاحب «الكشاف» في الموضعين : التفصي من الإقصاء إلى عطف الإنشاء على الخبر.
قلت : ظاهر كلام التفتازانيّ في قوله : فيكون من عطف الجملة الفعلية الانشائية على الاسمية الإخبارية وفي قوله : «لكنه في الحقيقة من عطف الإنشاء على الإخبار» أن التفتازانيّ لا يرى ذلك العطف مانعا من جعل جملة (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) معطوفة على جملة وهو حسبي وبذلك يكون كلامه دالا على جواز ذلك العطف. ويحتمل وهو الأظهر أن قوله : فيكون من عطف الجملة الفعلية الإنشائية إلخ أراد به التنبيه على أن ذلك الإعراب يفضي إلا لازم ممنوع عندهم ولذلك جعل السيد كلام التفتازانيّ استصعابا لذلك العطف وقال : فجوابه : أن ذلك جائز في الجمل التي لها محلّ إلخ.
ولم يصرّح السيد برأيه في أصل مسألة عطف الإنشاء على الخبر عدا ما ألحقه بها من القيود.
والوجه عندي في عطف الإنشاء على الخبر ما علمت آنفا (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً) إلى قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (في سورة الأحزاب).