الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦]. وهذا هو الذي شبه بنصر الحواريين دين الله الذي جاء به عيسى عليهالسلام ، فإن عيسى لم يجاهد من عاندوه ، ولا كان الحواريون ممن جاهدوا ولكنه صبر وصبروا حتى أظهر الله دين النصرانية وانتشر في الأرض ثم دبّ إليه التغيير حتى جاء الإسلام فنسخه من أصله.
والأنصار : جمع نصير ، وهو الناصر الشديد النصر.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر (كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) بتنوين أنصارا وقرن اسم الجلالة باللام الجارة فيكون أنصارا مرادا به دلالة اسم الفاعل المفيد للإحداث ، أي محدثين النصر ، واللام للأجل ، أي لأجل الله ، أي ناصرين له كما قال تعالى : (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) [محمد : ١٣].
وقرأه الباقون بإضافة (أَنْصارَ) إلى اسم الجلالة بدون لام على اعتبار أنصار كاللقب على نحو قوله : (مَنْ أَنْصارِي).
والتشبيه بدعوة عيسى ابن مريم للحواريين وجواب الحواريين تشبيه تمثيل ، أي كونوا عند ما يدعوكم محمد صلىاللهعليهوسلم إلى نصر الله كحالة قول عيسى ابن مريم للحواريين واستجابتهم له.
والتشبيه لقصد التنظير والتأسّي فقد صدق الحواريون وعدهم وثبتوا على الدّين ولم تزعزعهم الفتن والتعذيب.
و (ما) مصدرية ، أي كقول عيسى وقول الحواريين. وفيه حذف مضاف تقديره : لكون قول عيسى وقول الحواريين. فالتشبيه بمجموع الأمرين قول عيسى وجواب الحواريين لأن جواب الحواريين بمنزلة الكلام المفرع على دعوة عيسى وإنما تحذف الفاء في مثله من المقاولات والمحاورات للاختصار ، كما تقدم في قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
وقول عيسى (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) استفهام لاختبار انتدابهم إلى نصر دين الله معه نظير قول طرفة :
إن القوم قالوا من فتى خلت إنني |
|
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد |
وإضافة (أَنْصارَ) إلى ياء المتكلم وهو عيسى باعتبارهم أنصار دعوته.