وقرأ الجمهور (مُبَيِّنَةٍ) بكسر الياء التحتية ، أي هي تبيّن لمن تبلغه أنها فاحشة عظيمة فإسناد التبيين إليها مجاز باستعارة التبيين للوضوح أو تبيين لولاة الأمور صدورها من المرأة فيكون إسناد التبيين إلى الفاحشة مجازا عقليا وإنما المبيّن ملابسها وهو الإقرار والشهادة فيحمل في كل حالة على ما يناسب معنى التبيين.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم مبينة بفتح التحتية ، أي كانت فاحشة بينتها الحجة أو بينها الخارج ومحمل القراءتين واحد.
ووصفها ب (مُبَيِّنَةٍ) إما أن يراد به أنها واضحة في جنس الفواحش ، أي هي فاحشة عظيمة وهذا المقام يشعر بأن عظمها هو عظم ما يأتيه النساء من أمثالها عرفا. وإما أن يراد به مبينة الثبوت للمدة التي تخرج.
وقد اختلفوا في المراد من الفاحشة هنا وفي معنى الخروج لأجلها فعن ابن مسعود وابن عباس والشعبي والحسن وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة وحماد والليث بن سعدود أبي يوسف : أن الفاحشة الزنا ، قالوا : ومعاد الاستثناء الإذن في إخراجهن ، أي ليقام عليهن الحد.
وفسرت الفاحشة بالبذاء على الجيران والأحماء أو على الزوج بحيث أن بقاء أمثالهن في جوار أهل البيت يفضي إلى تكرر الخصام فيكون إخراجها من ارتكاب أخف الضررين ونسب هذا إلى أبي بن كعب لأنه قرأ «إلا أن يفحشن عليكم» (بفتح التحتية وضم الحاء المهملة أي الاعتداء بكلام فاحش) وروي عن ابن عباس أيضا واختاره الشافعي.
وفسرت الفاحشة بالمعصية من سرقة أو سب أو خروج من البيت فإن العدة بله الزنا ونسب إلى ابن عباس أيضا وابن عمر وقاله السدي وأبو حنيفة.
وعن قتادة الفاحشة : النشوز ، أي إذا طلقها لأجل النشوز فلا سكنى لها.
وعن ابن عمر والسدي إرجاع الاستثناء إلى الجملة التي هو موال لها وهي جملة (وَلا يَخْرُجْنَ) أي هن منهيات عن الخروج إلا أن يردن أن يأتين بفاحشة ، ومعنى ذلك إرادة تفظيع خروجهن ، أي إن أردن أن يأتين بفاحشة يخرجن وهذا بما يسمى تأكيد الشيء بما يشبه ضده كذا سماه السكاكي تسمية عند الأقدمين تأكيد المادح بما يشبه الذم ومنه قول النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |