فجعلت الآية خروجهن ريبة لهن وحذرت النساء منه بأسلوب خطابي (بفتح الخاء) فيكون هذا الاستثناء منعا لهن من الخروج على طريقة المبالغة في النهي.
ومحمل فعل (يَأْتِينَ) على هذا الوجه أنه من يردن أن يأتين مثل (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦].
وقد ورد في «الصحيح» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أتته فاطمة بنت قيس الفهرية فأخبرته أن زوجها أبا عمرو بن حفص أو أبا حفص بن عمرو (وكان وجهه النبي صلىاللهعليهوسلم مع عليّ إلى اليمن) فأرسل إليها من اليمن بتطليقة صادفت آخر الثلاث فبانت منه ، وأنه أرسل إلى بعض ذويه بأن ينفقوا عليها مدة العدة فقالوا لها : ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملا ، وأنها رفعت أمرها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : لا نفقة لك فاستأذنته في الانتقال فأذن لها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم. وفي رواية أنها قالت : أخاف أن يقتحم عليّ (بالبناء للمجهول) ، وفي رواية أنها كانت في مكان وحش مخيف على ناحيتها فأمرها النبي صلىاللهعليهوسلم بالانتقال.
واختلف العلماء في انتقالها فقال جماعة : هو رخصة لفاطمة بنت قيس لا تتجاوزها وكانت عائشة أم المؤمنين ترى ذلك ، روى البخاري أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق امرأته عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم وكان عمّها مروان بن الحكم أمير المدينة يومئذ فانتقلها أبوها إليه فبلغ ذلك عائشة أم المؤمنين فأرسلت إلى مروان أن اتّق الله وأرددها إلى بيتها فقال مروان : أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ قالت عائشة : لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة ، فقال مروان : إن كان بك الشّرّ فحسبك ما بين هذين من الشّر ، (ولعل عائشة اقتنعت بذلك إذ لم يرد أنها ردت عليه).
وفي «الصحيح» عن عمر بن الخطاب أنه قال : لا ندع كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت. وقالت عائشة : ليس لفاطمة بنت قيس خبر في ذكر هذا الحديث وعابت عليها أشدّ العيب. وقالت إن فاطمة كانت في مكان وحش مخيف على ناحيتها فرخص لها النبي صلىاللهعليهوسلم بالانتقال. ويظهر من هذا أنه اختلاف في حقيقة العذر المسوغ للانتقال. قال مالك : وليس للمرأة أن تنتقل من موضع عدتها بغير عذر رواه الباجي في «المنتقى».
وقال ابن العربي : إن الخروج للحدث والبذاء والحاجة إلى المعايش وخوف العودة من المسكن جائز بالسنة.