وأما المنبّأة فمعادها ضمنيّ لأن فعل (نَبَّأَتْ) [التحريم : ٣] يقتضيه فأما المنبّئة فأمرها بالتوبة ظاهر. وأما المذاع إليها فلأنها شريكة لها في تلقي الخبر السر ولأن المذيعة ما أذاعت به إليها إلا لعلمها بأنها ترغب في تطلع مثل ذلك فهاتان موعظتان لمذيع السرّ ومشاركة المذاع إليه في ذلك وكان عليها أن تنهاها عن ذلك أو أن تخبر زوجها بما أذاعته عنه ضرتها.
و (صَغَتْ) : مالت ، أي مالت إلى الخير وحق المعاشرة مع الزوج ، ومنه سمي سماع الكلام إصغاء لأن المستمع يميل سمعه إلى من يكلمه ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) في سورة الأنعام [١١٣]. وفيه إيماء إلى أن فيما فعلتاه انحرافا عن أدب المعاشرة الذي أمر الله به وأن عليهما أن تتوبا مما صنعتاه ليقع بذلك صلاح ما فسد من قلوبهما.
وهذان الأدبان الثامن والتاسع من الآداب التي اشتملت عليها هذه الآيات.
والتوبة : الندم على الذنب ، والعزم على عدم العودة إليه وسيأتي الكلام عليها في هذه السورة.
وإذ كان المخاطب مثنّى كانت صيغة الجمع في (قلوب) مستعملة في الاثنين طلبا لخفة اللفظ عند إضافته إلى ضمير المثنى كراهية اجتماع مثنيين فإن صيغة التثنية ثقيلة لقلة دورانها في الكلام. فلما أمن اللبس ساغ التعبير بصيغة الجمع عن التثنية.
وهذا استعمال للعرب غير جار على القياس. وذلك في كل اسم مثنى أضيف إلى اسم مثنى فإن المضاف يصير جمعا كما في هذه الآية وقول خطام المجاشعي :
ومهمهين قذفين مرتين |
|
ظهراهما مثل ظهور الترسين |
وأكثر استعمال العرب وأفصحه في ذلك أن يعبروا بلفظ الجمع مضافا إلى اسم المثنى لأن صيغة الجمع قد تطلق على الاثنين في الكلام فهما يتعاوران. ويقلّ أن يؤتى بلفظ المفرد مضافا إلى الاسم المثنى. وقال ابن عصفور : هو مقصور على السماع.
وذكر له أبو حيّان شاهدا قول الشاعر :
حمامة بطن الواديين ترنّمي |
|
سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها |
وفي «التسهيل» : ترجيح التعبير عن المثنى المضاف إلى مثنى باسم مفرد ، على