يجوز أن تجعل جملة (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى آخرها استئنافا ابتدائيا لقصد إجراء هذا التمجيد على اسم الجلالة لما يتضمنه من باهر تقديره ، ولما يؤذن به ذلك من التعريض بوجوب شكره على ذلك الإخراج العجيب.
ويجوز أن تجعل علة لما تضمنه الخبر عن تسبيح ما في السماوات وما في الأرض من التذكير للمؤمنين والتعريض بأهل الكتاب والمنافقين الذين هم فريقان مما في الأرض فإن القصة التي تضمنتها فاتحة السورة من أهل أحوالهما.
ويجوز أن تجعل مبينة لجملة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر : ١] لأن هذا التسخير العظيم من آثار عزّه وحكمته.
وعلى كل الوجوه فهو تذكير بنعمة الله على المسلمين وإيماء إلى أن يشكروا الله على ذلك وتمهيد للمقصود من السورة وهو قسمة أموال بني النضير.
وتعريف جزأي الجملة بالضمير والموصول يفيد قصر صفة إخراج الذين كفروا من ديارهم عليه تعالى وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداد بسعي المؤمنين في ذلك الإخراج ومعالجتهم بعض أسبابه كتخريب ديار بني النضير.
ولذلك فجملة (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) تتنزل منزلة التعليل لجملة القصر.
وجملة (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) عطف على العلة ، أي وهم ظنوا أن المسلمين لا يغلبونهم. وإنما لم يقل : وظنوا أن لا يخرجوا. مع أن الكلام على خروجهم ، من قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فعدل عنه إلى (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) أي مانعتهم من إخراجهم استغناء عن ذكر المظنون بذكر علة الظن. والتقدير : وظنوا أن لا يخرجوا لأنهم تمنعهم حصونهم ، أي ظنوا ظنا قويا معتمدين على حصونهم.
والمراد ب (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بنو النضير (بوزن أمير) وهم قبيلة من اليهود استوطنوا بلاد العرب هم وبنو عمهم قريظة ، ويهود خيبر ، وكلهم من ذرية هارون عليهالسلام وكان يقال لبني النضير وبني قريظة : الكاهنان لأن كل فريق منهما من ذرية هارون وهو كاهن الملة الإسرائيلية ، والكهانة : حفظ أمور الديانة بيده ويد أعقابه.
وقصة استيطانهم بلاد العرب أن موسى عليهالسلام كان أرسل طائفة من أسلافهم لقتال العماليق المجاورين للشام وأرض العرب فقصّروا في قتالهم وتوفي موسى قريبا من