ذلك. فلما علموا بوفاة موسى رجعوا على أعقابهم إلى ديار إسرائيل في أريحا فقال لهم قومهم: أنتم عصيتم أمر موسى فلا تدخلوا بلادنا ، فخرجوا إلى جزيرة العرب وأقاموا لأنفسهم قرى حول يثرب (المدينة) وبنوا لأنفسهم حصونا وقرية سموها الزّهرة. وكانت حصونهم خمسة سيأتي ذكر أسمائها في آخر تفسير الآية ، وصاروا أهل زرع وأموال. وكان فيهم أهل الثراء مثل السموأل بن عاديا ، وكعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق ، وكان بينهم وبين الأوس والخزرج حلف ومعاملة ، فكان من بطون أولئك اليهود بنو النضير وقريظة وخيبر.
ووسموا ب (الَّذِينَ كَفَرُوا) لأنهم كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم تسجيلا عليهم بهذا الوصف الذميم وقد وصفوا ب (الَّذِينَ كَفَرُوا) في قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة : ٨٩] إلى قوله : (عَذابٌ مُهِينٌ) في سورة البقرة [٩٠].
وعليه فحرف (مِنْ) في قوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بيانية لأن المراد بأهل الكتاب هنا خصوص اليهود أي الذين كفروا برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم وهم أهل الكتاب وأراد بهم اليهود ، فوصفوا ب (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) لئلا يظن أن المراد ب (الَّذِينَ كَفَرُوا) المشركون بمكة أو بقية المشركين بالمدينة فيظنّ أن الكلام وعيد.
وتفصيل القصة التي أشارت إليها الآية على ما ذكره جمهور أهل التفسير. أن بني النضير لما هاجر المسلمون إلى المدينة جاءوا فصالحوا النبي صلىاللهعليهوسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له ، ويقال : إن مصالحتهم كانت عقب وقعة بدر لمّا غلب المسلمون المشركين لأنهم توسّموا أنه لا تهزم لهم راية ، فلما غلب المسلمون يوم أحد نكثوا عهدهم وراموا مصالحة المشركين بمكة ، إذ كانوا قد قعدوا عن نصرتهم يوم بدر (كدأب اليهود في موالاة القوي) فخرج كعب بن الأشرف وهو سيد بني النضير في أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا المشركين عند الكعبة على أن يكونوا عونا لهم على مقاتلة المسلمين ، فلما أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك أمر محمد بن مسلمة أن يقتل كعب بن الأشرف فقتله غيلة في حصنه في قصة مذكورة في كتب السنة والسير.
وذكر ابن إسحاق سببا آخر وهو أنه لما انقضت وقعة بئر معونة في صفر سنة أربع كان عمرو بن أمية الضّمري أسيرا عند المشركين فأطلقه عامر بن الطفيل. فلما كان راجعا إلى المدينة أقبل رجلان من بني عامر وكان لقومهما عقد مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونزلا مع