تلك هي قضية المرأة خولة أو خويلة مصغرا أو جميلة بنت مالك بن ثعلبة أو بنت دليج (مصغرا) العوفية. وربما قالوا : الخزرجية ، وهي من بني عوف بن مالك بن الخزرج ، من بطون الأنصار مع زوجها أوس بن الصامت الخزرجي أخي عبادة بن الصامت.
قيل : إن سبب حدوث هذه القضية أن زوجها رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم ، فلما سلمت أرادها فأبت فغضب وكان قد ساء خلقه فقال لها : أنت عليّ كظهر أمي.
قال ابن عباس : وكان هذا في الجاهلية تحريما للمرأة مؤبّدا (أي وعمل به المسلمون في المدينة بعلم من النبي صلىاللهعليهوسلم وإقراره الناس عليه فاستقرّ مشروعا) فجاءت خولة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكرت له ذلك ، فقال لها : حرمت عليه ، فقالت للرسول صلىاللهعليهوسلم : إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، فقال : «ما عندي في أمرك شيء» ، فقالت : يا رسول الله ما ذكر طلاقا. وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إليّ فقال : «حرمت عليه». فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي. كلما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «حرمت عليه» هتفت وشكت إلى الله ، فأنزل الله هذه الآيات.
وهذا الحديث رواه داود في كتاب الظهار مجملا بسند صحيح. وأما تفصيل قصته فمن روايات أهل التفسير وأسباب النزول يزيد بعضها على بعض ، وقد استقصاها الطبري بأسانيده عن ابن عباس وقتادة وأبي العالية ومحمد بن كعب القرظي وكلها متفقة على أن المرأة المجادلة خولة أو خويلة أو جميلة ، وعلى أن زوجها أوس بن الصامت.
وروى الترمذي وأبو داود حديثا في الظهار في قصة أخرى منسوبة إلى سلمة بن صخر البياضي تشبه قصة خولة أنه ظاهر من امرأته ظهارا موقنا برمضان ، ثم غلبته نفسه فوطئها واستفتى في ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى آخر القصة ، إلّا أنهما لم يذكرا أن الآية نزلت في ذلك.
وإنما نسب ابن عطية إلى النقاش أن الآية نزلت بسبب قصة سلمة ولا يعرف هذا لغيره. وأحسب أن ذلك اختلاط بين القصتين وكيف يصح ذلك وصريح الآية أن السائلة امرأة والذي في حديث سلمة بن صخر أنه هو السائل.
و (قَدْ) أصله حرف تحقيق للخبر ، فهو من حروف توكيد الخبر ولكن الخطاب هنا للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو لا يخامره تردد في أن الله يعلم ما قالته المرأة التي جادلت في زوجها.