قريظة سنة خمس ، وفدك سنة سبع ، ونحوهما فعيّنته هذه الآية للأصناف المذكورة فيها ، ولا حق في ذلك لأهل الجيش أيضا وهذا الذي يجري على وفاق كلام عمر بن الخطاب في قضائه بين العباس وعلي فيما بأيديهما من أموال بني النضير على احتمال فيه ، وهو الذي يقتضيه تغيير أسلوب التعبير بقوله هنا : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) بعد أن قال في التي قبلها (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) [الحشر : ٦] فإن ضمير (مِنْهُمْ) راجع ل (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [الحشر : ٢] وهم بنو النضير لا محالة. وعلى هذا القول يجوز أن تكون هذه الآية نزلت عقب الآية الأولى ، ويجوز أن تكون نزلت بعد مدة فإن فتح القرى وقع بعد فتح النضير بنحو سنتين.
ومن العلماء من جعل هذه الآية كلمة وبيانا للآية التي قبلها ، أي بيانا للإجمال الواقع في قوله تعالى : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ) الآية [الحشر : ٦] ، لأن الآية التي قبلها اقتصرت على الإعلام بأن أهل الجيش لا حقّ لهم فيه ، ولم تبين مستحقّه وأشعر قوله (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) [الحشر : ٦] أنه مال لله تعالى يضعه حيث شاء على يد رسوله صلىاللهعليهوسلم فقد بيّن الله له مستحقّيه من غير أهل الجيش. فموقع هذه الآية من التي قبلها موقع عطف البيان. ولذلك فصلت.
وممن قال بهذا الشافعيّ وعليه جرى تفسير صاحب «الكشاف». ومقتضى هذا أن تكون أموال بني النضير مما يخمّس ولم يرو أحد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمّسها بل ثبت ضدّه ، وعلى هذا يكون حكم أموال بني النضير حكما خاصا ، أو تكون هذه الآية ناسخة للآية التي قبلها إن كانت نزلت بعدها بمدة.
قال ابن الفرس : آية (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى). وهذه الآية من المشكلات إذا نظرت مع الآية التي قبلها ومع آية الغنيمة من سورة الأنفال. ولا خلاف في أن قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) الآية [الحشر : ٦] إنما نزلت فيما صار لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من أموال الكفار بغير إيجاف ، وبذلك فسّرها عمر ولم يخالفه أحد.
وأما آية الأنفال فلا خلاف أنها نزلت فيما صار من أموال الكفار بإيجاف ، وأما الآية الثانية من الحشر فاختلف أهل العلم فيها فمنهم من أضافها إلى التي قبلها ، ومنهم من أضافها إلى آية الأنفال وأنهما نزلتا بحكمين مختلفين في الغنيمة الموجف عليها ، وأن آية الأنفال نسخت آية الحشر.
ومنهم من قال : إنها نزلت في معنى ثالث غير المعنيين المذكورين في الآيتين :