بدون لفظها. وهذان الضميران وإن كانا ضميري غيبة وكانا مقتربين فالسامع يرد كل ضمير إلى معاده بحسب السياق مثل (ما) في قوله تعالى : (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) في سورة الروم [٩]. وقول عباس بن مرداس يذكر انتصار المسلمين مع قومه بني سليم على هوازن :
عدنا ولو لا نحن أحدق جمعهم |
|
بالمسلمين وأحرزوا ما جمّعوا |
(أي أحرز جيش هوازن ما جمّعه جيش المسلمين).
والمعنى : أنهم لا يخامر نفوسهم تشوف إلى أخذ شيء مما أوتيه المهاجرون من فيء بني النضير.
ويجوز وجه آخر بأن يحمل لفظ حاجة على استعماله الحقيقي اسم مصدر الاحتياج فإن الحاجة بهذا المعنى يصح وقوعها في الصدور لأنها من الوجدانيات والانفعالات. ومعنى نفي وجدان الاحتياج في صدورهم أنهم لفرط حبهم للمهاجرين صاروا لا يخامر نفوسهم أنهم مفتقرون إلى شيء مما يؤتاه المهاجرون ، أي فهم أغنياء عما يؤتاه المهاجرون فلا تستشرف نفوسهم إلى شيء مما يؤتاه المهاجرون بله أن يتطلبوه.
وتكون (من) في قوله تعالى : (مِمَّا أُوتُوا) للتعليل ، أي حاجة لأجل ما أوتيه المهاجرون ، أو ابتدائية ، أي حاجة ناشئة عما أوتيه المهاجرون فيفيد انتفاء وجدان الحاجة في نفوسهم وانتفاء أسباب ذلك الوجدان ومناشئه المعتادة في الناس تبعا للمنافسة والغبطة ، وقد دل انتفاء أسباب الحاجة على متعلق حاجة المحذوف إذ التقدير : ولا يجدون في نفوسهم حاجة لشيء أوتيه المهاجرون.
والإيثار : ترجيح شيء على غيره بمكرمة أو منفعة.
والمعنى : يؤثرون على أنفسهم في ذلك اختيارا منهم وهذا أعلى درجة مما أفاده قوله : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) فلذلك عقب به ولم يذكر مفعول (يُؤْثِرُونَ) لدلالة قوله : (مِمَّا أُوتُوا) عليه.
ومن إيثارهم المهاجرين ما روي في «الصحيح» أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا الأنصار ليقطع لهم قطائع بنخل البحرين فقالوا : لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها.
وإما إيثار الواحد منهم على غيره منهم فما رواه البخاري عن أبي هريرة قال : «أتى رجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله أصابني الجهد. فأرسل في نسائه فلم يجد عندهنّ شيئا فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمهالله ، فقام رجل من الأنصار (هو