هذا مضافا إلى أنه إن كان يقصد بأنّ كل هذه القراءات كانت متواترة في عهودهم عليهمالسلام فيعني أنها ممضاة من قبلهم ، فتصبح كلها حجة في حين أن أكثرها فاسد ، وقد اعترف هو في كتابه البيان بأنها من اجتهادات القرّاء أنفسهم ولا حجية في اجتهاداتهم ، ولا ملازمة بين تواترها وحجيتها ، فكونها معروفة مع سكوتهم وعدم إنكارهم على بعضها لا يدل على حجيتها كلها ، إذ من الواضح أن تقرير المعصوم عليهالسلام يعتبر حجة إذا لم يكن هناك مانع عن الكشف عن الحكم الشرعي ، وفي مثل تلك الأجواء العصيبة التي عاشها أئمة آل البيت عليهمالسلام كيف يمكن تصوّر حجية تقريرهم لهذه المسألة آنذاك ، وهي كبعضها من الأحكام التي صدرت منهم تقية خوفا من سلاطين زمانهم.
هذا مع التأكيد على أنه قد صدر ردع من الأئمة عن أغلب تلك القراءات بما رواه هو عن الأئمة عليهمالسلام بقولهم : «اقرأ كما يقرأ الناس ، اقرءوا كما علمتم» (١) أي اقرءوا كما علّمناكم ، ومن لم يصله علمنا فليقرأ كما يقرأ المشهور من الناس. ويشهد لما قلت ما ذكر في نفس الحديث الذي رواه السيّد المذكور حيث يشهد صدره وذيله على أن المأمور به هو القراءة المشهورة بين الناس حتى يقوم القائم عليهالسلام مما دل على أن حكم الإمام الصادق عليهالسلام بالقراءة المشهورة إنما هو آنيّ ومرحليّ حتى لا يتهم الشيعة بالكفر والزندقة لو قرءوا بالقراءة المخالفة لطريقة الناس آنذاك ، وكان ينبغي على السيّد رحمهالله أن يذكر الحديث بتمامه حتى لا يخفى الحق على ذي حجى ، وإلى القارئ العزيز الحديث بتمامه :
فعن سالم بن سلمة قال :
قرأ رجل على أبي عبد الله عليهالسلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام :
كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليهالسلام ، فإذا قام
__________________
(١) قوله : «اقرأ ..» «واقرءوا كما علمتم» روايتان رواهما الكافي ج ٢ حديث ١٥ وح ٢٣.