٥ ـ إنّ ما صدر من التوبيخ بقوله تعالى : (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) لا يناسب عمومية رسالته وكونه صلىاللهعليهوآلهوسلم مبعوثا للتزكية والأخلاق الفاضلة ، وقد انحصرت مهمّته بتزكية الناس وتعليمهم مكارم الأخلاق ، قال صلوات الله تعالى عليه وآله : «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق». وهل من المكارم أن يعبس في وجه مؤمن فقير؟! وهل العبوس من التزكية الإلهية لنبيّه الكريم؟! ألم يقل الله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١).
٦ ـ إنّ المرويات الدالة على عبوسه صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبار آحاد لم ترو في مصادر الشيعة ، ومعلوم عند عامة فقهاء الشيعة أنهم لا يعوّلون على الخبر الواحد في باب الاعتقادات .. هذا مضافا إلى أنّ هذه الأخبار تصادم حكم العقل باستحالة صدور القبيح عن الأنبياء والأولياء عليهمالسلام ولا سيّما في التبليغ. فصدور الخطأ منه صلىاللهعليهوآلهوسلم في مورد القصّة يعدّ خطأ في التبليغ ، وقد أجمعت الأمة على خلافه سوى بعض الأشاعرة ، فالتمسّك بقصّة لم يثبت صحّتها مع مخالفتها لما ذكرنا لا يكون دليلا على المدّعى ، هذا مضافا لمخالفتها قوله تعالى في سورة الشعراء : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) التي نزلت في بدء الدعوة النبوية العام الثالث من البعثة ، ونزلت قبل سورة عبس بسنتين ؛ فعلى هذا كيف يتصوّر عاقل العبوس منهصلىاللهعليهوآلهوسلم والإعراض عن المؤمنين ومخالفة أوامر الله التي حثّته على احترام المؤمنين وخفض الجناح لهم ، فهل نسي النبيّ أوامر ربه وأنه مأمور بخفض الجناح لمن اتّبعه؟! وإذا كان صلىاللهعليهوآلهوسلم قد نسي ذلك فما الذي يؤمننا من أن لا يكون قد نسي غير ذلك أيضا؟! وإذا لم يكن قد نسي ، فلما ذا تعمّد أن يعصي هذا الأمر الصريح؟!.
٧ ـ إنّ أيّ خبر إذا صادم الظاهر القرآني (كموردنا هذا) يطرح في حال لم
__________________
(١) سورة الجمعة : ٢ «مدنيّة».
(٢) سورة الشعراء : ٢١٤ ـ ٢١٥ «مكيّة».