الأسف على قتل عثمان ورجعت إلى مكّة بعد ما خرجت منها ، ونهضت ثائرة تطلب بدم عثمان لعلّها تجلب الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق ، وإلا فما هي من أولياء ذلك الدم ، وقد وضع عنها قود العساكر ومباشرة الحروب لأنّها امرأة خلقها الله لخدرها ، وقد نهيت كبقيّة نساء النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة عن التبرّج ، وقد أنذرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحذّرها عن خصوص واقعة الجمل ، غير أنّها أعرضت عن ذلك كلّه لما ترجّح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة ، وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب ، وقد ذكره لها الصّادق الأمين عند الإنذار والتحذير ، ولم تزل يقودها الأمل حتى قتل طلحة فألمّت بها الخيبة ، وغلب أمر الله وهي كارهة) (١).
قال البلاذري في الأنساب :
(خرجت عائشة باكية تقول : قتل عثمان رحمهالله ، فقال لها عمّار بن ياسر : أنت بالأمس تحرضين عليه ثم أنت اليوم تبكينه) (٢).
ما صدر من عائشة صاحبة الجمل لا يغدو مستغربا لدى الباحث في شخصيتها التي طالما ألّبت الناس على إمام زمانها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وذلك لضغن في صدرها كما عبّر عن ذلك الإمام عليهالسلام بقوله :
(فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على الله فليفعل ، وإن أطعتموني فإني حاملكم إن شاء الله على سبيل الجنّة وإن كان ذا مشقة شديدة ، ومذاقة مريرة ، وأمّا فلانة فأدركها رأي النساء ، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين ، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إليّ لم تفعل ، ولها بعد حرمتها الأولى ، والحساب على الله!) (٣).
وللضغن أسباب منها :
حنو النبيّ على ابنته فاطمة عليهاالسلام وحبه الشديد لها ، فأكرمها إكراما عظيما
__________________
(١) الغدير ج ٩ / ٨٥.
(٢) الأنساب ج ٥ / ٧٠. طبقات ابن سعد ج ٥ / ٢٥ ، ط / ليدن ، الإمامة والسياسة ج ١ / ٤٣.
(٣) خطبة ١٥٦ من نهج البلاغة. وشرح النهج / ابن أبي الحديد ج ٩ / ١٢٨.