من أبي ذر ، فلم يقم بالمدينة إلّا أياما حتى أرسل إليه عثمان فقال له : والله لتخرجنّ عنها ، قال : أتخرجني من حرم رسول الله؟ قال : نعم وأنفك راغم ، قال : فإلى مكّة؟ قال : لا ، قال : فإلى البصرة؟ قال : لا ، قال : فإلى الكوفة؟ قال : لا ، ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت فيها ، يا مروان! اخرجه ولا تدع أحدا يكلّمه حتى يخرج فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته ، فخرج الإمام عليّ والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعمّار بن ياسر ينظرون ، فلمّا رأى أبو ذر الإمام عليّا قام إليه فقبّل يده ثم بكى وقال : إني إذ رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله فلم أصبر حتى أبكي ، فذهب الإمام عليّ يكلّمه ، فقال مروان : إن أمير المؤمنين عثمان قد نهى أن يكلّمه أحد ، فرفع الإمام عليهالسلام السوط فضرب وجه ناقة مروان وقال : تنحّ نحاك الله إلى النار ، ثم شيّعه وكلّمه بكلام يطول شرحه .. ثم ودّع الإمام عليهالسلام أبا ذر وقال له : «يا أبا ذر إنك غضبت لله فارج من غضبت له ، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه ، واهرب منهم بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عمّا منعوك ، وستعلم من الرابح غدا ، والأكثر حسدا ، ولو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا ، لا يؤنسنّك إلا الحق ، ولا يوحشنّك إلّا الباطل ، فلو قبلت دنياهم لأحبوك ، ولو قرضت منها لأمّنوك» (١).
وواقعة أبي ذر وإخراجه إلى الربذة ، أحد الأحداث التي نقمت على عثمان. ولقد جاء الخليفة عثمان ببدعة عند ما استأثر بمال المسلمين ووزعه على أقربائه وبني عمومته وأخواله ، وهذه سيرة لم يسبقه إليها أحد ممن تقدّمه وإن كانوا كرماء مع من يسايرهم ويسير في ركبهم ، لكنّ عثمان كان أكرمهم مع أقربائه الأمويين ، فقد خالف كتاب الله وسنّة رسوله في العطاء ، حيث إن الله يقول :
__________________
(١) نهج البلاغة ج ٢ / ١٧ خطبة ١٢٧ محمّد عبده.