روى البلاذري فقال :
«لما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه ، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم ، وأعطى زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم ، جعل أبو ذر يقول : بشّر الكانزين بعذاب أليم ، ويتلو قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١).
فرفع ذلك مروان بن الحكم إلى عثمان ، فأرسل إلى أبي ذر ناتلا مولاه : أن انته عمّا بلغني عنك ، فقال : أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله ، وعيب من ترك أمر الله؟ فو الله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أن أسخط الله برضاه ، فأغضب عثمان ذلك فصيّره إلى الشام ، ولكن معاوية بالشام لم يعجبه وجود أبي ذر ، فبعث إلى عثمان مكاتبا يقول له : إن أبا ذر تجتمع إليه الجموع ولا آمن أن يفسدهم عليك ، فإن كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك.
فكتب إليه عثمان : يحمله. فحمله على بعير قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلّخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف ، فقيل له : إنك تموت من ذلك ، فقال : هيهات لن أموت حتى أنفى.
فلما دخل إلى عثمان وعنده جماعة قال :
بلغني أنك تقول ؛ سمعت رسول الله يقول : إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا؟ فقال : نعم سمعت رسول الله يقول ذلك ، فقال لهم : أسمعتم رسول الله يقول ذلك؟
فبعث إلى الإمام عليّ عليهالسلام فأتاه فقال : يا أبا الحسن! أسمعت رسول الله يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقصّ عليه الخبر ، فقال الإمام عليّ : نعم ، قال : فكيف تشهد؟ قال لقول رسول الله: ما أظلّت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق
__________________
(١) سورة التوبة : ٣٤.