وأما قضية الإشارة إلى التوقيت فلا تنافي النسخ ، بعد أن كان الحكم بطبعه صالحا للبقاء والاستمرار ما لم يأت بيان جديد ، وهذا هو النسخ بعينه» (١).
وعليه فالفرق بين المنسوخ والمحدود ، أن الثاني ما كان ينتهي بنفس التحديد الذي كان فيه ، من غير حاجة إلى بيان جديد ، أما إذا كان محتاجا إلى ذلك ، بحيث يبقى مع الأبد ما لم يأت البيان فهو من المنسوخ لا محالة (٢).
وأما الأمر بشأن أهل الكتاب فواضح ، إذ أمر المسلمون في بادي الأمر بالصفح عنهم رأسا كما ورد في سورة البقرة / ١٠٩ ، وهذا الحكم ارتفع بعد ذلك نهائيا بفرض مقاتلتهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما في التوبة / ٢٩.
ومن الآيات الناسخة والمنسوخة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٣).
روى المفسّرون لهذه الآية :
إن عدة المتوفى عنها زوجها في الجاهلية كانت سنة كاملة ، وكان إذا مات الرجل ألقت المرأة خلف ظهرها شيئا ـ بعرة أو ما شاكلها ـ فتقول : البعل (تريد المتجدّد) أهون عليّ من هذه ، فلا تكتحل ولا تتمشط ولا تتطيب ولا تتزوج إلى سنة ، وكان ورثة الميّت لا يخرجونها من بيتها ، وكانوا يجرون عليها من تركة زوجها طول تلك السنة ، فكان ذلك هو إرثها من مال زوجها المتوفى(٤).
وهذه الآية نزلت تقرّر جانبا من هذه العادة إلى أن نسخت بآية العدد بقوله
__________________
(١) التمهيد في علوم القرآن ج ٢ / ٣١٣ بتصرف بسيط.
(٢) نفس المصدر السابق نقلا عن مجمع البيان ج ٣ / ٢١.
(٣) سورة البقرة : ٢٤٠ وتسمى بآية الإمتاع.
(٤) بحار الأنوار ج ٩٣ / ٧٦ نقلا عن رسالة أصناف القرآن للنعماني.