قال ابن عبّاس : ثم إنهم توامروا وتذاكروا فقالوا : لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيّا ، فقال أبو بكر : من لنا بقتله؟ فقال عمر : خالد بن الوليد ، فأرسلا إليه ، فقالا : يا خالد ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال : احملاني على ما شئتما فو الله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت! فقالا : والله ما نريد غيره! قال : فإني لها ، فقال أبو بكر : إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف فإذا سلمت فاضرب عنقه ، قال : نعم ، فافترقوا على ذلك.
ثم إن أبا بكر تفكّر فيما أمر به من قتل عليّ عليهالسلام وعرف إن فعل وقعت حرب شديدة وبلاء طويل ، فندم على أمره فلم ينم ليلته تلك حتى أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة ، فتقدّم فصلّى بالناس مفكّرا لا يدري ما يقول ، وأقبل خالد بن الوليد متقلدا بالسيف ، حتى أقام إلى جانب عليّ وقد فطن عليّ ببعض ذلك ، فلمّا فرغ أبو بكر من تشهّده صاح قبل أن يسلّم : يا خالد! لا تفعل ما أمرتك فإن فعلت قتلتك ، ثم سلّم عن يمينه وشماله ، فوثب عليّ عليهالسلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده ، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله ، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالدا فما قدروا عليه ، فقال العبّاس : حلّفوه بحق القبر (١) لمّا كففت فحلفوه وقام ، فانطلق إلى منزله.
وجاء الزبير والعباس وأبو ذرّ والمقداد وبنو هاشم واخترطوا السيوف وقالوا : والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل ، واختلف الناس وماجوا واضطربوا وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن : يا أعداء الله! ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول الله وأهل بيته! ولطالما أردتم هذه من رسول الله فلم تقدروا عليه ، فقتلتم
__________________
(١) أي قبر هذا الذي بسببه تخلّى أمير المؤمنين عن خالد؟ هل هو قبر رسول الله أو قبر رفيقة دربه ومهجة كبده فاطمة الزهراء الصدّيقة الشهيدة؟! لا أدري أيّ القبرين أراد مولى الثقلين؟ وإن كانا عزيزين على قلبه إلّا أن قبر مولاتنا الزهراء ـ فديتها بنفسي ـ له ميّزة عند مولانا المرتضى عليّ حيث غاب الطهر الحبيب تحت الثرى يحمل في طياته آهات الفراق وزفرات الألم والاضطهاد من أمة الإسلام؟!!