وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة وإنما الطريف أن يرويه شيوخ محدّثي العامة ، لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة ، وربما تنبّهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم فكفّوا عنه ؛ وأيّ اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع؟!
وقد روى إبراهيم بن سعيد الثقفي ، قال : حدّثنا أحمد بن عمرو البجلي ، قال : حدّثنا أحمد بن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام ، قال : والله ما بايع عليّ عليهالسلام حتى رأى الدخان قد دخل بيته (١).
وقال قدسسره في موضع آخر من كتابه الشافي :
فأما قوله ـ أي قاضي القضاة المعتزلي ـ : «إنّ حديث الإحراق ما صحّ ، ولو صحّ لم يكن طعنا لأن له أن يهدّد من امتنع من المبايعة إرادة للخلاف على المسلمين»! فقد بيّنا أن خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة ـ ممّن لا يتّهم على القوم ـ وإنّ دفع الروايات بغير حجّة أكثر من نفس المذاهب المختلف فيها لا يجدي شيئا ، والذي اعتذر به من حديث الإحراق إذا صح ظريف ، وأي عذر لمن أراد أن يحرق على أمير المؤمنين وفاطمة منزلهما؟! وهل يكون في مثل ذلك علّة يصغى إليها أو تسمع؟ وإنما يكون مخالفا للمسلمين وخارقا لإجماعهم إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت ، وإنما يصحّ لهم الإجماع متى كان أمير المؤمنين عليهالسلام ومن قعد عن البيعة ممّن انحاز إلى بيت فاطمة سلام الله عليها داخلا فيه وغير خارج عنه ؛ وأيّ إجماع يصحّ مع خلاف أمير المؤمنين عليهالسلام وحده ، فضلا عن أن يبايعه على ذلك غيره ، وهذه زلة من صاحب الكتاب وممن حكى احتجاجه.
وبعد ، فلا فرق بين أن يهدّد بالإحراق للعلّة التي ذكرها ، وبين ضرب فاطمة سلام الله عليها لمثل هذه العلّة ، فإنّ إحراق المنازل أعظم من ضربه بالسوط ، وما
__________________
(١) الشافي في الإمامة ص ٢٠٤ طبعة حجرية ، إيران ، تلخيص الشافي ج ٣ / ٧٥ ط / دار الكتب ـ إيران ، والبحار ج ٢٨ / ٣٨٩.