وزادتها تأييدا تمنع بشدة أن تضرب المرأة أو تمد إليها يد سوء فلا يعني استحالة هذا الأمر منهم فيما إذا كان ثمة داع أقوى ، يدفع إلى ارتكاب أفظع الجرائم ، وهتك أعظم الحرمات ، لا سيّما إذا كان هذا الداعي هو شهوة الحكم والسلطة.
وعلى فرض وجود سجايا عربية تمنع من ضرب المرأة ، فلا مانع من أن يخرج من هذا العموم السائد في الجزرية آنئذ أفراد على نحو التخصيص (١) ، ولا ضير في أن يشذ بعض الأفراد عن الأعراف والتقاليد والأخلاق في كل عصر ومصر ، ولو كانوا يملكون وازعا دينيا أو أخلاقيا لما نعتوا النبي بالهجر ، بل لو كان العرب يمنعون من ضرب المرأة في الجاهلية فلم كانوا يدسّون بناتهم في التراب وهنّ أحياء وقد قال تعالى مستنكرا عليهم (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٢). ولو كانت السجايا العربية تمنع من ضرب المرأة ، فلم لم تمنع هذه السجايا ضرب الصدّيقة الصغرى زينب عليهاالسلام حيث جلدت بالسياط في كربلاء وكذلك بقية بنات الوحي معها ، ولم همّ ابن زياد لعنه الله بأن يبطش بابنة أمير المؤمنين عليّ فمنعه عمرو بن حريث لا لأن السجايا العربية تمنع من ضرب المرأة احتراما لها ، بل لأنها لا تؤاخذ بشيء من منطقها ـ حسب تعبير عمرو بن حريث ـ.
ويؤكد ما قلنا ما نقله المؤرخون من سمية والدة عمار ماتت تحت وطأة التعذيب في مكة من قبل أبي جهل لعنه الله ، بل يروى أنه طعنها في أسفلها ، ويروى أن عمر نفسه كان يعذّب جارية بني مؤمل أيضا ، فكان يضربها حتى إذا ملّ ، قال : إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلّا ملالة (٣).
ويروى أيضا أن عمر ضرب النساء اللواتي بكين على أبي بكر ، فكان أول من ضرب بالدرة ـ على حد تعبير ابن أبي الحديد ـ أم فروة بنت أبي قحافة لمّا مات
__________________
(١) التخصيص : إخراج بعض أفراد العام عن الحكم.
(٢) سورة التكوير : ٨ ـ ٩.
(٣) السيرة النبوية لابن هشام ج ١ / ٣٤١ والسيرة الحلبية ج ١ / ٣٠.