ويشهد لهذا ما ذكره القرآن المجيد من قصة النبيّ يوسف عليهالسلام وزوجة العزيز ملك مصر آنئذ حيث أرادت إغوائه فامتنع ، قال تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١).
وقال تعالى حكاية عنهما : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) (٢) والسيرة العقلائية تؤكد ما قلنا إذ لم يعهد عندهم أنهم بنوا بيوتا بلا أبواب ذات مصارع وحلق ، بل كان وجود الأبواب الحجرية وغيرها متعارفا لدى المجتمعات البدائية التي كانت الكهوف مسكنا لهم ، حفاظا على أنفسهم من السباع والضباع والأسود والأفاعي وغيرها ، فإخراج المجتمع المدني من سيرة العقلاء يعدّ فصلا بلا دليل معتبر.
ثانيا : كان المجتمع المدني آنذاك خليطا من الأفراد ، فيهم الصالح والطالح ، المؤمن والكافر والمنافق ، ويشهد له قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (٣).
وحيث إنّ المنافق يضمر الشرك والكفر ، ويظهر الإيمان ، وجب حينئذ الحذر منه على الأموال والأنفس ، وهل يتصور عاقل أن ينام الفرد في بيت لا مصراع خشبي له ، «وهو يعلم أن ضررا ما سيلحقه من منافق أو كافر ، بل وسبع أو حيوان ، لا سيّما وأن يثرب كانت مسرحا للحروب الداخلية والتجاذبات الحزبية والقبلية قبل الإسلام ، بل لقد بعث النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم في وقت كان أهل المدينة فيه لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وللعربي حالاته ومفاهيمه تجاه قضايا الثأر والغزو والحروب والعداء والولاء ، وأكبر شاهد على ما قلنا هو ما فعلوه بعترة نبيّه بعد وفاته حيث ينمّ عداؤهم لعترة رسول الله محمّد على استحكام الحقد المستكنّ
__________________
(١) سورة يوسف : ٢٣.
(٢) سورة يوسف : ٢٥.
(٣) سورة التوبة : ١٠١.