صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ـ فلما انتهى إلى قوله ـ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدّث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ ترتضى ، فلما سمعت ذلك قريش فرحوا وسرّهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم فأصاخوا له ، والمؤمنون مصدقون نبيّهم فيما جاءهم به عن ربهم ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لأمره ، وسجد من في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لمّا سمعوا من ذكر آلهتهم فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلّا سجد إلّا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا كبيرا فلم يستطع السجود فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس من المسجد ، وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم يقولون قد ذكر محمّد آلهتنا بأحسن الذكر قد زعم فيما يتلو إنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضى ، وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله وقيل أسلمت قريش فنهض منهم رجال وتخلّف آخرون وأتى جبريل رسول الله فقال : يا محمّد ما ذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عزوجل وقلت ما لم يقل لك ، فحزن رسول الله عند ذلك حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله عزوجل وكان به رحيما يعزّيه ويخفّض عليه الأمر ويخبره أنه لم يك قبله نبي ولا رسول تمنى كما تمنّى ولا أحب كما أحب إلّا والشيطان قد ألقى في أمنيته كما ألقى على لسانه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته أي فإنما أنت كبعض الأنبياء والرسل ، فأنزل الله عزوجل (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٢) (١) فأذهب الله عزوجل عن نبيّه الحزن وآمنه من الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم أنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن
__________________
(١) سورة الحج : ٥٢.