والاستصلاح بتغيّر آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال ، ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبّر ولده وأحبّته وأهله وعبيده وحشمه بما يكسبهم المعرفة والآداب ، ويبعثهم على الأعمال الصالحة ليستحقوا بذلك الذكر الجميل وحسن الثناء والمديح ، فيكونوا بذلك موضع ثقتهم واعتمادهم في الأمور كافّة إلى تجارة أو وكالة ، فيمكنوهم من الأموال ، فيحصل لهم السرور المتواصل ، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات ، وذلك هو الأصلح لهم ، ومتى واصلوا الجدّ في العمل وأخلصوا فيه بأقوالهم ، بما يوجب استمرار نشاطهم ، سهّلوا عليهم السبل الموصلة إليه ، وكان ذلك هو الصلاح العام ، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبّوه منهم وأبرّوه لهم ، وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم ، وسوء الأدب والبطالة ، واللهو واللعب ، كانت المصلحة لهم قطع موارد السعة عنهم في الأموال والاستخفاف بهم والإهانة والعقاب ، وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل ، ولا تضادّ في صواب التدبير والصلاح.
وعلى هذا الوجه الذي حقّقناه كان تدبير الله تعالى لخلقه ، وإرادته عمومهم بالصلاح ، ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلّفهم الأعمال الصالحات ليكسبهم بذلك حالا في العاجلة ، ومدحا وثناء حسنا وإكراما وإعظاما وثوابا في الآجل ، ويدوم نعيمهم في دار المقام ، فإن تمسّكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه ، وسهّل عليهم سبيله ، ويسّره لهم ، وإن خالفوا ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه ، تغيّرت الحال فيما يكون فيه صلاحهم ، وصواب التدبير لهم لوجب قطع موادّ التوفيق عنهم ، وحسن منه ذمّهم وحربهم ، وكان ذلك هو الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد ، فليس ذلك تناقضا في العقل ولا تضادا في قول أهل العدل ، بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق.
ألا ترى أنّ الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به وإظهار التوحيد والإيمان برسله عليهمالسلام لمصلحتهم ، وأنه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك ، فمتى