ذكرنا آنفا ، فتنتفي حينئذ الفائدة من بعثهم إلى الناس مما يستلزم العبث في أفعال المولى عزوجل وهو قبيح عقلا يتنزّه عنه عزّ اسمه ، فلا بدّ من الالتزام بعدم الملازمة بين اللطف وبين كونهم ظاهرين قاهرين ، فلا يلزم أن لا يكون الظاهر لطفا مقرّبا للعباد إلى الطاعة ومبعّدا عن المعصية ، لأن اللطف لا ينحصر في الظاهر فحسب ، فإن من له مدخلية في طاعة العباد سواء أكان ظاهرا أم غائبا عن الأبصار كجبرائيل وسائر الملائكة كان وجودهم لطفا بمعنى أنهم لو لم يكونوا لم تقع أكثر الطاعات لكونهم حافظين مسددين مؤيدين مبلّغين للأنبياء والأولياء الوحي ، فاللطف غير منحصر في الظاهر ، بل وجوده في الغائبات أكثر منه في الظواهر.
من هنا يتضح الجواب على ما قد يقال بأن وجود الإمام المهديّ روحي فداه وعدمه سيّان ما دام الناس لا ينتفعون به لكونه غائبا عنهم.
٢ ـ إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور ، فهو يتصرّف بالكائنات على حسب ما تقتضيه المصلحة الربانية من دون أن تشعر بوجوده تماما كخرق الخضر عليهالسلام للسفينة دون علم أصحابها ، وإلّا لكانوا منعوه من خرقها ، فخرقه للسفينة لمصلحة كانت خافية على أصحاب السفينة ، كذلك قتل الغلام وإقامة الجدار كان خافيا على النبيّ موسى عليهالسلام بحسب الظاهر ، فأي مانع من أن يكون للإمام الغائب (عجّل الله فرجه الشريف) في كل يوم وليلة تصرّف كهذا النمط من التصرفات ، ويؤيده ما ورد من أنه عليهالسلام يحضر الموسم في أشهر الحج ويلتقي بأنصاره وأعوانه ، ويصاحب الناس إلى غير ذلك ، ومع هذا فالناس لا يعرفونه.
وزبدة المخض : أن مولانا وسيّدنا الإمام المهديّ فديته بنفسي ليس غائبا عن كل العباد بل يظهر لبعض خواص مواليه الذين لهم الشرف بلقائه والاستفادة من نور وجوده ، وبالتالي تستفيد الأمة بواسطتهم ، ويؤيد ذلك ما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال لجابر الأنصاري حينما سأله عن الإمام المهديّ عجّل الله فرجه الشريف في آخر الزمان ، قال : ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان.