قد كشف عطف بردته على عاتقه فارتاح قلبي وبادرت لقصده فأثنى إليّ وقال : من أين الرجل؟ قلت : من العراق ، قال من أي العراق؟ قلت من الأهواز ، فقال : أتعرف الحضيني؟ قلت : نعم ، قال : رحمهالله فما كان أطول ليله وأكثر نيله وأغزر دمعته! قال : فابن المهزيار؟ قلت : أنا هو ، قال : حيّاك الله بالسلام أبا الحسن ثم صافحني وعانقني ، وقال : يا أبا الحسن ، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمّد نضّر الله وجهه؟ قلت : معي ، وأدخلت يدي إلى جنبي (جيبي) وأخرجت خاتما عليه : محمّد وعليّ ، فلما قرأه استعبر حتى بلّ طمره الذي كان عليه وقال : يرحمك الله أبا محمّد فإنك زين الأمة ، شرّفك الله بالإمامة وتوّجك بتاج العلم والمعرفة فإنّا إليكم صائرون ثم صافحني وعانقني ثم قال : ما الذي تريد يا أبا الحسن؟ قلت : الإمام المحجوب عن العالم ، قال : ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم ، قم سر إلى رحلك وكن على أهبة من لقائه إذا انحطت الجوزاء وأزهرت نجوم السماء ، فها أنا لك بين الركن والصفا (١) ، فطابت نفسي وتيقنت أن الله فضلني ، فما زلت أرقب الوقت حتى حان ، وخرجت إلى مطيتي واستويت على رحلي فإذا أنا بصاحبي ينادي يا أبا الحسن ، فخرجت فلحقت به فحياني بالسلام وقال : سر بنا يا أخ ، فما زال يهبط واديا ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف ، فقال : يا أبا الحسن انزل بنا نصلّي باقي صلاة الليل .. إلى أن قال : وركب وأمرني بالركوب وسار وسرت معه حتى أشرفنا على وادي عظيم ، فقال : هل ترى شيئا؟ قلت : نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر ، يتوقد البيت نورا ، فلما رأيته طابت نفسي ، فقال لي : هناك الأمل والرجاء ، ثم قال : سر بنا يا أخ ، فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله ، فقال : انزل فههنا يذلّ كلّ صعب ، ويخضع كلّ جبار ، ثم قال : خلّ عن زمام الناقة ، قلت : فعلى من أخلّفها؟ فقال: حرم القائم عليهالسلام ، لا يدخله إلّا مؤمن ولا يخرج منه إلا
__________________
(١) في نسخة بحار الأنوار ج ٥٢ / ١٠ : «حتى إذا لبس الليل جلبابه .. صر إلى شعب بني عامر فإنك ستلقاني هناك».