فراغ ، وأسلافنا الأماجد قد تركوا لنا ، وفي حوزتنا هذا التراث العظيم الأصيل ، والخصب. والّذي يمثل أزهى عصور التفكير الإسلامى ؛ بل الإنسانى على الإطلاق.
كما لا يعقل أن نكتفى ببعض المؤلفات الكلامية التى بين أيدينا ، والتى هى في حقيقة أمرها مجرد مختصرات لكتب عظيمة اتسمت بالدقّة ، والوضوح ، والأصالة. وهذه المختصرات التى ألّفت في عصر اتّسم بالجمود ، والتّقليد ؛ قد قامت عليها فيما بعد شروح ، وحواشى. وهى بوضعها الراهن ، وصورتها الحالية شكلا ، وتبويبا تضيّع جهد الباحث ؛ بل إنّها تنفّره في أغلب الأحيان.
بينما تتّسم الكتب السّابقة عليها بالدقّة ، والأصالة ، والوضوح. وهى كفيلة بالإجابة على أغلب التّساؤلات ، وفيها الحلّ لمعظم المشكلات والردّ على كلّ الفرى ، والأكاذيب. التى يروّج لها أعداء الإسلام وخصومه والجهلة من أبنائه.
وأرى أنّ إخراج هذه الكتب من خزائنها ، ونشرها بطريقة علمية عصرية مشوّقة ؛ فرض كفاية على المتخصّصين ؛ فلا يعقل أن نضيّع جهودنا في الردّ على مشاكل فيما بيننا ، أو بيننا وبين خصوم ديننا ـ مع أنها قد بحثت وحسمت ، وأجيب عليها من أكثر من ثمانمائة عام ، ونترك المشاكل المعاصرة التى يثيرها أعداء ديننا.
كما أنّ أىّ موضوع يبحث سيكون ناقصا ، وغير مطابق للواقع ؛ بل سيؤدى إلى مفاهيم خاطئة ما لم يعتمد على أمّهات الكتب التى ألّفت في أزهى عصور التّفكير الإسلامى ، والتى ما زال معظمها مخطوطا ؛ فتاريخ الفكر الإسلامى ؛ لن يستقر استقراره الكامل حتى تنشر المخطوطات المهمة.
لكل ما سبق آمنت بأهميّة التّحقيق العلمىّ ، وضرورته ، واقتنعت به وعزمت بعون الله أن أكرّس له جهدى ووقتى ، وبدأت بتحقيق هذا الكتاب (أبكار الأفكار في أصول الدّين ـ للإمام سيف الدين الآمدي) بعد أن درست التحقيق العلمى ومارسته بمركز تحقيق التراث بدار الكتب المصريّة سنة ١٩٦٨ على يد أساتذته المتخصصين.
وكان تحقيق هذا الكتاب ـ الّذي يسعدنى أن يصدر عن مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية في عهده الجديد ـ كان الجزء الأول منه يمثل القسم الثانى من رسالتى لنيل درجة الدكتوراه في العقيدة والفلسفة ، والتى حصلت عليها من كلية أصول الدين جامعة الأزهر سنة ١٩٧٤ بمرتبة الشرف الأولى والتوصية بطبع الرسالة وتبادلها مع جامعات العالم.