أما القسم الأول من الرسالة ـ والّذي يقع في مجلد من الحجم الكبير ـ فكان دراسة عن مؤلفه الإمام سيف الدين الآمدي ـ رحمهالله ـ وعصره ، وحياته وثقافته ، وإنتاجه ، ومنهجه ، وآرائه ، ومكانته العلمية ، وآراء العلماء فيه. ثم عن كتاب أبكار الأفكار ، وقيمته العلمية ، ونسخه ، وأماكن وجودها ، وأخيرا منهجى في تحقيقه.
وفي نفس العام سنة ١٩٧٤ قدّمت نسخة محقّقة من الكتاب إلى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وأسعدنى موافقة لجنة إحياء التراث الإسلامى على نشره بعد اجتماعات كثيرة ودراسات وأبحاث عميقة.
وقد حال دون نشره في ذلك الوقت ـ إمكانات المجلس ـ وسفرى إلى مكة المكرمة معارا إلى كلية الشريعة بها سنة ١٩٧٦.
أما مؤلفه : فهو الإمام سيف الدين الآمدي الّذي أجمع أصحاب التراجم على أنّه كان شيخا للمتكلمين ، والمشتغلين بالعلوم العقلية في عصره.
وقد أوصله إلى هذه المكانة جدّ لا يعرف الكلل ، وانصراف إلى العلم والدراسة ، شغله عن كل شيء حتى عن نفسه أحيانا ، وذكاء دفع بعض معاصريه إلى أن يعده أذكى أذكياء أهل زمانه ؛ بل إن الجميع قد اتّفقوا على أنه كان أحد أذكياء العالم ؛ فقد كان فقيها ، أصوليا ، متكلما ، فيلسوفا ، طبيبا. ومؤلفاته في هذه الفنون المتعددة تصل إلى خمسة وعشرين مؤلفا معظمها ما زال مخطوطا ، ولم ينشر منها سوى أربعة كتب ، ولم يحقق منها سوى كتابين.
وقد قضى الآمدي معظم حياته المديدة مع كلّ هذه الفنون طالبا ، ومدرسا ومؤلفا. وامتدت رحلاته العلمية لمدة ستة وستين عاما. قضاها في رحلات علمية مستمرة زار خلالها عواصم الثقافة ، والعلم في عصره.
ومع هذه الشهرة العريضة التى كان الآمدي يتمتع بها في عصره والعصور التالية ؛ فقد ظل مجهولا إلى حدّ كبير في عصرنا كمتكلم إلّا من إشارات إلى بعض آرائه ترد أحيانا في الكتب الكلامية : كالمواقف ، والمقاصد وغيرها.
أما كتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين : فهو بحق أهمّ كتب الآمدي الكلامية ؛ بل أهمّها على الإطلاق ؛ فقد اتفق أصحاب التراجم على وصف الآمدي بصاحب الأبكار.