وقد اتضح لى بعد الدراسة والمقارنة أنه من أهمّ الكتب المؤلفة في علم الكلام. فهو حاو لمسائل الأصول محيط بها ، بدون إطالة مملة ، وبغير اختصار مخلّ. وهو بحقّ اسم على مسمّى ؛ فقد جمع فيه مؤلفه كما قال : «أبكار أفكار أرباب العقول».
وقد ألفه الآمدي بعد أن بلغ درجة علمية يدلّ بها قائلا «ولما كنّا مع ذلك قد حقّقنا أصوله ، ونقّحنا فصوله. وأحطنا بمعانيه ، وأوضحنا مبانيه وأظهرنا أغواره ، وكشفنا أسراره ، وفزنا فيه بقصب سبق الأوّلين ، وحزنا غايات أفكار المتقدّمين والمتأخّرين ، واستترعنا منه خلاصة الألباب ، وفصلنا القشر عن اللّباب».
وهذا الكتاب كما يفهم من عنوانه ، وكما اتّضح لى ؛ قد اشتمل على معظم الأفكار المهمّة في الفكر الإسلامى العقدى حتّى عصره ؛ بل على الفكر العقدى الإنسانىّ على الإطلاق ، وناقشها ، وردّ على ما يتنافى مع الدّين منها وأبطله بحججه الدامغة ، وبراهينه السّاطعة ؛ فهو بحقّ يغنى عن مطالعة الكثير من كتب المتقدّمين ؛ لأنّه قد اشتمل على معظم الأفكار المهمّة فيها.
وقد تأكّد لى أنّ كتاب المواقف لعضد الدّين الإيجى ـ الّذي أعاننى الله على نشره محققا سنة ١٩٧٦ م ـ مختصر لكتاب الأبكار.
وكتاب المواقف ـ كما هو معلوم ـ أهمّ الكتب المطبوعة في علم الكلام. وإذا كنت قد اخترت الطّريق الصّعب ـ طريق التحقيق العلمى ـ فلثقتى التّامة بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولتأكّدي بأنّ العرف لا يذهب لا عند الله ، ولا عند النّاس ، وحسبى أن أساهم في إحياء تراثنا الخالد. وفي إلقاء الضّوء على إمام كانت مؤلّفاته ، وما زالت تمثّل حلقة مهمّة من حلقات التّفكير الإسلامى. فى فترة من أعظم فتراته ، فترة الانتصار على أعداء الإسلام ، وإخراجهم من بلاد الإسلام ، واستعادة مقدّساتنا.
وقد اجتهدت قدر طاقتى على أن تكون دراستى عن الإمام الآمدي لائقة به ، كما بذلت غاية جهدى لإخراج كتابه على أحسن وجه ، وأفضله.
فإذا أصبت ، وحقّقت ما أهدف إليه ؛ فبفضل الله وحده ، وإن كانت الأخرى ، فحسبى أننى قد بذلت غاية جهدى.